فَهُوَ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْخَمْرِ، كَالْمُسْلِمِ، فَإِنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْكَافِرِ فِي الْخَمْرِ بِاعْتِبَارِ الْبِنَاءِ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَالْمُرْتَدُّ غَيْرُ مُقِرٍّ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ، فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا وَالْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ قَدْ الْتَزَمَ حُكْمَ الْمُعَامَلَاتِ مُدَّةَ مَقَامِهِ فِي دَارِنَا، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ اشْتَرَى الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَالشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ مَتَى لَحِقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ لَحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ وَمَوْتُ الْمُشْتَرِي لَا يُبْطِلُ شُفْعَةَ الشَّفِيعِ، فَإِنْ كَانَ وَكَّلَ بِالدَّارِ مَنْ يَحْفَظُهَا وَيَقُومُ عَلَيْهَا، فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهَا وَالْأَمِينُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي حَقًّا فِي الْأَمَانَةِ كَمَا لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي رَقَبَتَهَا
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ دَارًا وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ بِدَارٍ لَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا يَجْرِي فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ وَاسْتِيلَاؤُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُزِيلُ مِلْكَ الْمُسْلِمِ فَعَلَى حَقِّهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا حَقَّ الْمُسْلِمِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ دَارًا وَشَفِيعُهَا حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٌ فَلَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ لُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ كَمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَالْمَيِّتِ وَبِمَوْتِهِ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ وَلِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ وَيُبْطِلَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُتَأَكِّدَةِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشُّفْعَةِ، كَالنِّكَاحِ ثُمَّ الْمُسْلِمُ الْمُشْتَرِي مُسْتَوْلٍ عَلَى الدَّارِ وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكِ الْحَرْبِيِّ بَطَلَ بِهِ مِلْكُهُ فَلَأَنْ يَبْطُلَ بِهِ حَقُّهُ أَوْلَى.
وَإِذَا اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ دَارًا وَشَفِيعُهَا حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ فَلَحِقَا جَمِيعًا بِدَارِ الْحَرْبِ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا؛ لِأَنَّ لَحَاقَ الشَّفِيعِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ فِيمَا هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا عَلِمَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَدُخُولُهُ دَارَ الْحَرْبِ غَيْبَةٌ مِنْهُ وَغَيْبَةُ الشَّفِيعِ لَا تُبْطِلُ شُفْعَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا، فَإِنْ دَخَلَ وَهُوَ يَعْلَمُ فَلَمْ يَطْلُبْ حَتَّى غَابَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِتَرْكِهِ الطَّلَبَ بَعْدَ مَا تَمَكَّنَ مِنْهُ لَا لِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ وَإِذَا بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ سَفَرٌ إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَوْ إلَى غَيْرِهَا، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا كَانَ عَلَى طَلَبِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ بِالطَّلَبِ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَخَّرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمُضِيِّ شَهْرٍ إنَّمَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي أَخَّرَهُ، فَقَدْ رَضِيَ بِهَذَا الضَّرَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute