للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الطَّلَاقُ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ فَالْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ: لِأَنَّ الْمُوَقَّعَ هُوَ الْعَدَدُ فَإِذَا صَرَّحَ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَانَ هُوَ الْعَامِلَ دُونَ ذِكْرِ الْوَصْفِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا، لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ لَا يَتَأَتَّى بِعِبَارَةٍ أَوْجَزَ مِنْ هَذَا، وَالْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ لَا يُفْصَلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ؛ لِأَنَّهَا كَلِمَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ، فَأَمَّا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ، بَانَتْ بِالْأُولَى، وَكَانَتْ الثِّنْتَانِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ وَإِبْرَاهِيمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ يَجْمَعُ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةَ وَيَجْعَلُهَا كَكَلَامٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّا نَقُولُ: كُلُّ كَلِمَةٍ إيقَاعٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَا تَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهُ فَإِذَا بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ، لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلْوُقُوعِ عَلَيْهَا ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبِينُ بِالْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْكَلَامِ الثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْكَلَامِ الثَّانِي لِجَوَازِ أَنْ يُلْحِقَ بِآخِرِ كَلَامِهِ شَرْطًا أَوْ اسْتِثْنَاءً وَلَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ ذِكْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَهُوَ الْوَاوُ، فَأَمَّا بِدُونِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَحِقُ بِهِ الشَّرْطُ وَالِاسْتِثْنَاءُ.

(قَالَ) وَلَوْ قَالَ لَهَا: رَأْسُكِ طَالِقٌ، كَانَتْ طَالِقًا لَا بِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الرَّأْسِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: الرَّأْسُ مِنْكِ طَالِقٌ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهَا وَقَالَ: هَذَا الْعُضْوُ مِنْكِ طَالِقٌ، لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الرَّأْسَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ يُقَالُ هَؤُلَاءِ رُءُوسُ الْقَوْمِ وَمَعَ الْإِضَافَةِ إلَى الشَّخْصِ أَيْضًا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ يَقُولُ الرَّجُلُ: أَمْرِي حَسَنٌ مَا دَامَ رَأْسُك أَيْ مَا دُمْتَ بَاقِيًا وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ يَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ: يَا وَجْهَ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ الْجَسَدُ وَالْبَدَنُ وَالرَّقَبَةُ وَالْعُنُقُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: ٤] وَكَذَلِكَ الْفَرْجُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» وَكَذَلِكَ الرُّوحُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ فَصَارَ هُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ مُضِيفًا الطَّلَاقَ إلَى جَمِيعِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَمَّا إذَا قَالَ يَدُكِ طَالِقٌ أَوْ رِجْلُكِ طَالِقٌ أَوْ أُصْبُعُكِ طَالِقٌ، لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُزْءٍ مُسْتَمْتَعٍ بِهِ مِنْهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ كَالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الطَّلَاقِ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ فَإِذَا أَوْقَعَهُ عَلَى جُزْءٍ مِنْهَا، يَسْرِي إلَى جَمِيعِهَا كَالْجُزْءِ الشَّائِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>