وَبِهِ فَارَقَ النِّكَاحَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى السِّرَايَةِ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ عِنْدِي إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ إذَا اجْتَمَعَا فِي الْمَحَلِّ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ شَهْرًا، يَقَعُ مُؤَبَّدًا وَلَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُكِ شَهْرًا، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ فَيُجْعَلُ ذِكْرُ جُزْءٍ مِنْهَا كَذِكْرِ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأُصْبُعَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِإِضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِ، فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّهُ تَبَعٌ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَلِهَذَا صَحَّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أُصْبُعٌ وَيَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْأُصْبُعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ يَرِدُ عَلَيْهَا فَتَكُونُ الْأَطْرَافُ فِيهِ تَبَعًا كَمَا فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ شِرَاءً وَمِلْكِ الْقِصَاصِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَبَعٌ، فَبِذِكْرِ الْأَصْلِ، يَصِيرُ التَّبَعُ مَذْكُورًا، فَأَمَّا بِذِكْرِ التَّبَعِ، لَا يَصِيرُ الْأَصْلُ مَذْكُورًا وَإِذَا كَانَ تَبَعًا، لَا يَكُونُ مَحَلُّ الْإِضَافَةِ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ، وَالسِّرَايَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِضَافَةِ إلَى مَحَلِّهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ أَنَّ الْوُقُوعَ لَيْسَ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا ذُكِرَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ حَتَّى لَوْ كَانَ عُرْفًا.
ظَاهِرُ الْقَوْمِ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْيَدَ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ نَقُولُ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي حَقِّهِمْ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ هُنَا بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ وَهُوَ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِيقَاعَ عَلَى الْبَدَنِ لِتَصْحِيحِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا كَلَامًا مُسْتَقِيمًا، لَصَحَّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَى الْيَدِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى تَبَعٌ لِلْمُقْتَضِي، وَجَعْلُ الْأَصْلِ تَبَعًا لِلْأُصْبُعِ مُتَعَذِّرٌ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَضَافَ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ كَالصِّنْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ لَيْسَ بِتَبَعٍ وَهُوَ مَحَلٌّ لِإِضَافَةِ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ إلَيْهِ فَإِذَا صَحَّتْ الْإِضَافَةُ إلَى مَحَلِّهَا، ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْكُلِّ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ أَوْ بِطَرِيقِ أَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّجْزِيءَ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ، وَذِكْرُ جُزْءِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ الْكُلِّ وَلِهَذَا صَحَّتْ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ عِنْدَنَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ شَهْرًا؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ صَحَّتْ إلَى مَحَلِّهَا، وَالطَّلَاقُ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ فَلَا يَنْعَدِمُ بِذِكْرِ التَّوْقِيتِ فِيمَا وَرَاءَ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ فَبِالتَّوْقِيتِ يَنْعَدِمُ فِيمَا وَرَاءَ الْوَقْتِ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مُوَقَّتًا. وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ قَالَ: بُضْعُكِ طَالِقٌ، يَقَعُ وَهَذَا تَصْحِيفٌ إنَّمَا هُوَ بَعْضُكِ طَالِقٌ أَوْ نِصْفُكِ طَالِقٌ فَأَمَّا الْبُضْعُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ قَالَ: ظَهْرُكِ طَالِقٌ أَوْ بَطْنُك طَالِقٌ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ النِّكَاحُ بِدُونِهِمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى مَا ذُكِرَ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute