هَذَا فِي بَابِ الظِّهَارِ أَنَّهُ إذَا قَالَ: ظَهْرُكِ أَوْ بَطْنُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ.
(قَالَ) وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلِأَجْنَبِيَّةٍ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت امْرَأَتِي، وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ يَصْلُحُ عِبَارَةً عَنْ امْرَأَتِهِ وَعَنْ الْمَرْأَةِ الْأُخْرَى فَكَانَ هَذَا كِنَايَةً مِنْ حَيْثُ الْمَحَلُّ وَكَمَا أَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَةِ لَا تَعْمَلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ الْكِنَايَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَحَلُّ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ امْرَأَتُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا عَنِيَ امْرَأَتَهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْكِنَايَاتِ.
(قَالَ) وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ، تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ، وَرُبْعُ التَّطْلِيقَةِ كَمَالُهَا فَإِنَّ التَّطْلِيقَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَتَجَزَّأُ وُقُوعُهَا، وَلَوْ قَالَ: بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَتَانِ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُصِيبُهَا نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ: عَنَيْت أَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بَيْنَهُنَّ، فَحِينَئِذٍ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَطْلِيقَتَانِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُوقِعًا عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَ تَطْلِيقَةٍ أُخْرَى وَلَكِنْ مَا لَمْ يَنْوِ، لَا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ، وَالْقِسْمَةُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَيْنَ الْأَشْخَاصِ تَكُونُ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ إذَا عَنِي قِسْمَةَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ فَقَدْ شَدَّدَ الْأَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: بَيْنَكُنَّ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ تَطْلِيقَاتٍ، تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَقُولَ: عَنَيْتُ أَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بَيْنَهُنَّ فَحِينَئِذٍ تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ: بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ، تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُصِيبُهَا تَطْلِيقَةٌ وَرُبْعٌ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ أَوْ ثَمَانٌ وَإِنْ قَالَ: بَيْنَكُنَّ تِسْعُ تَطْلِيقَاتٍ تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُصِيبُهَا بِالْقِسْمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَرُبْعُ تَطْلِيقَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَشْرَكْتُكُنَّ فِي ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَلَفْظُ الْإِشْرَاكِ وَلَفْظُ الْبَيْنِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ ثُمَّ قَالَ لِثَالِثَةٍ: أَشْرَكْتُكِ فِيمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهِمَا، يَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْرِكًا لَهَا فِي كُلِّ تَطْلِيقَةٍ.
(قَالَ): رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً، فَهِيَ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُقَيَّدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] مَعْنَاهُ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا وَمَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى هُنَا ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَقُولُ: اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ وَلَكِنَّا نَقُولُ طَرِيقُ الِاسْتِثْنَاءِ مَا قُلْنَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى فَشَرْطُ صِحَّتِهِ أَنْ يَبْقَى وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ حَتَّى يَجْعَلَ كَلَامَهُ عِبَارَةً عَنْهُ، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ النَّحْوِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute