كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّسْمِيَتَيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَجْرِ التَّمَكُّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ هُنَا، وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَتَيْنِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ بِالْإِيجَابِ عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ خَمْسَةٌ، ثُمَّ الْتَزَمَ زِيَادَةَ الْبَدَلِ بِزِيَادَةِ الضَّرَرِ. وَإِذَا سَكَنَهُ قَصَّارًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِنُ الْبِنَاءَ. فَإِذَا لَمْ يُسْكِنْهَا أَحَدًا فَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ الضَّرَرُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَسْكَنَ بَزَّازًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا خَمْسَةٌ، وَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ يُسْكِنَهُ قَصَّارًا. فَإِذَا لَمْ يُسْكِنْهُ أَصْلًا أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إلَّا خَمْسَةٌ.
رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا وَلَا يَنْزِلَ فِيهَا فَالْإِيجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ نَفَى مُوجِبَ الْعَقْدِ بِالشَّرْطِ، وَذَلِكَ يُضَادُّ الْعَقْدَ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا اللَّفْظِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُوجِبُ الْأَجْرَ مَا لَمْ يُوجِبْ الِاسْتِيفَاءَ حَقِيقَةً كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا يَتَكَلَّفُونَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُعْتَمَدٍ، وَإِنْ سَكَنَهَا فَعَلَيْهِ بِأَجْرِ مِثْلِهَا لَا يَنْقُصُ مِمَّا سَمَّى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْمُسَمَّى بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْكُنَ فَعِنْدَ السُّكْنَى لَا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ فَيَلْزَمُهُ أَجْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَتْ.
وَإِنْ جَعَلْت أَجْرَ الدَّارِ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهُمْ سَنَةً، أَوْ يَوْمًا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الدَّارِ إنْ سَكَنَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَإِنَّمَا سَمَّى إذَا كَانَ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا فَهُوَ فِي الْحُكْمِ كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا وَلَمْ يُسَمِّ الْأَجْرَ وَلَا أَجْرَ لَهُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ لَا صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا، وَلِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مُسَلِّمًا عَمَلَهُ إلَى غَيْرِهِ.
وَإِنْ تَكَارَى بِرْذَوْنًا لِيَتَعَرَّضَ عَلَيْهِ فَإِنْ جَازَ فَعَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَعَلَيْهِ خَمْسَةٌ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ أَصْحَابِ الدِّيوَانِ اسْمُهُ فِي دِيوَانِ الْفُرْسَانِ، وَقَدْ يُفِقْ فَرَسَهُ فَطَلَبَ السُّلْطَانُ الْعَرْضَ فَاسْتَأْجَرَ الْفَرَسَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَقَّفْ عَلَى ضَيْعَةٍ فَالْأَجْرُ عَشَرَةٌ، وَإِنْ وَقَّفَ عَلَى ذَلِكَ فَالْأَجْرُ خَمْسَةٌ فَهَذَا فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْأَجْرِ فَلَا يَدْرِي الْجَوَازَ وَلَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا فِيمَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُفِقْ فِي رُكُوبِهِ أَوْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ كَالْمَقْبُوضِ بِحُكْمِ إجَارَةٍ صَحِيحَةٍ.
وَإِنْ تَكَارَى بَغْلًا عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا رَكِبَ الْأَمِيرُ رَكِبَ مَعَهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ مِنْ كُلِّ رَكْبَةٍ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِقَدْرِ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ
وَإِنْ تَكَارَى دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ عَلَى أَنَّهُ إنْ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَغْدَادَ شَيْئًا، أَوْ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَعْطَاهُ نِصْفَ ذَلِكَ فَهَذَا فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْأَجْرِ وَالْغَرَرِ الْمُتَمَكِّنِ بِسَبَبِ الشَّرْطِ فِي أَصْلِ الْأَجْرِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا فِيمَا يَرْكَبُ، وَإِنْ تَكَارَاهَا إلَى بَغْدَادَ عَلَى أَنَّهَا إنْ بَلَّغَتْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute