الْعَقْدِ صَحِيحٌ، فَإِنْ اسْتَوْجَبَ الْعَقْدَ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْأَلْفِ لِتَمَامِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا وَتَقَرَّرَ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَصَارَتْ الدَّنَانِيرُ عَلَى الْمُطَالِبِ الْأَوَّلِ إلَى شَهْرٍ مِنْ يَوْمِ اسْتَوْجَبَ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الدَّنَانِيرِ أَجَلَ شَهْرٍ وَاشْتَرَطَ الْأَجَلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَتُوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِ بَعْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْأَجَلِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى ثَوْبٍ وَاشْتَرَطَ الْمَطْلُوبُ الْخِيَارَ ثَلَاثًا وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّوْبَ فَهَلَكَ عِنْدَهُ فِي الثَّلَاثِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهِ وَمَا لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بَائِعٌ لِلثَّوْبِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْبَائِعِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْبَائِعِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَقْبُوضِ عَلَى جِهَةِ الشِّرَاءِ.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلَيْنِ دَيْنٌ فَصَالَحَاهُ عَلَى عَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَأَوْجَبَ الصُّلْحَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَرَدَّ عَلَى الْآخَرِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرٍ لِلْعَبْدِ مِنْهُمَا، وَقَدْ شَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ الْخِيَارَ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ فَكَانَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا فِي نَصِيبِهِ دُونَ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ فَصَالَحَهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْمُشْتَرِيَيْنِ لِلْعَبْدِ مِنْهُ وَأَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَصَالَحَهُ عَلَى عَبْدٍ وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ ثَلَاثًا فَمَضَتْ الثَّلَاثَةُ، ثُمَّ ادَّعَى صَاحِبُ الْخِيَارِ الْفَسْخَ فِي الثَّلَاثَةِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِتَمَامِ الْعَقْدِ قَدْ وُجِدَ، وَهُوَ مُضِيُّ مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْلَ ظُهُورِ الْفَسْخِ وَمُدَّعِي الْفَسْخِ يَدَّعِي مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إنْشَائِهِ فِي الْحَالِ، فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْفَسْخِ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَمْضَى فِي الثَّلَاثَةِ أُخِذَتْ الْبَيِّنَةُ لِلْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ مُدَّعِي الْفَسْخِ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَهُوَ الْمُثْبِتُ لِعَارِضِ الْفَسْخِ وَذَلِكَ خِلَافُ مَا يَشْهَدُ الظَّاهِرُ بِهِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِبَيِّنَتِهِ أَوْلَى.
وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ: أَخَذَ بِبَيِّنَةِ إمْضَاءِ الصُّلْحِ، وَهَذَا غَلَطٌ، وَإِنْ صَحَّ فَوَجْهُهُ: إنَّ فِي بَيِّنَةِ إمْضَاءِ الصُّلْحِ إثْبَاتَ الْمِلْكِ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ، وَقَدْ بَيَّنَّا شُبْهَةَ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي نَظِيرِ هَذَا فِي الْبُيُوعِ مِنْ الْجَامِعِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الثَّلَاثَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ أَنَّهُ وُجِدَ فَسْخٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ، فَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي إقْرَارِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى إسْقَاطِ الْخِيَارِ، وَفِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ إذَا شَرَطَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْخِيَارَ، ثُمَّ فَسَخَ الْعَقْدَ بِخِيَارِهِ فَالْمُدَّعِي يَعُودُ عَلَى دَعْوَاهُ، وَلَا يَكُونُ مَا صَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقْرَارًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ الْبَاتَّ أَقْوَى مِنْ الصُّلْحِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الصُّلْحِ الْبَاتِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute