للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيهَا، وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى طَوَافُ الزِّيَارَةِ قَبْلَ الْوُقُوفِ كَمَا لَا يَتَأَدَّى السُّجُودُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَالْمَالُ شَرْطٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْأَدَاءِ، وَلِهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ الْأَدَاءُ مِنْ فَقِيرٍ لَا مَالَ لَهُ فَرْضًا.

وَأَرْكَانُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْأَفْعَالُ، وَالْمَالُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ لِيَتَيَسَّرَ بِهِ الْوُصُولُ إلَى مَوَاضِعِ أَدَاءِ أَرْكَانِهِ.

ثُمَّ بَدَأَ الْكِتَابُ فَقَالَ إذَا أَرَدْت أَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ اقْتَدِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذِكْرِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: ٢٧] وَقِيلَ: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَاطَبَ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالْوَاحِدُ يَشُكُّ فِي حَالَةٍ أَنَّهُ يَحُجُّ أَوْ لَا يَحُجُّ فَقَيَّدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَتَفَرَّسَ فِيهِ أَنَّهُ يَحُجُّ فَمَا أَخْطَأَتْ فِرَاسَتُهُ (قَالَ) فَاغْتَسِلْ أَوْ تَوَضَّأْ، وَالْغُسْلُ فِيهِ أَفْضَلُ. هَكَذَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ فَاغْتَسَلَ» رَوَاهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَهَذَا الِاغْتِسَالُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَسْمَاءَ قَدْ نُفِسَتْ قَالَ مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ، وَلْتُحْرِمْ بِالْحَجِّ»، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاغْتِسَالَ الْوَاجِبَ مَعَ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ لَا يَتَأَدَّى فَعَرِّفْنَا أَنَّ هَذَا الِاغْتِسَالَ لِمَعْنَى النَّظَافَةِ، وَمَا كَانَ لِهَذَا الْمَقْصُودُ فَالْوُضُوءُ يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ، وَلَكِنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ لِأَنَّ مَعْنَى النَّظَافَةِ فِيهِ أَكْمَلُ ثُمَّ الْبَسْ ثَوْبَيْنِ إزَارًا وَرِدَاءً جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ائْتَزَرَ وَارْتَدَى عِنْدَ إحْرَامِهِ»، وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَتَعَيَّنَ لِلسِّتْرِ الِارْتِدَاءُ وَالِائْتِزَارُ.

وَالْجَدِيدُ وَالْغَسِيلُ فِي هَذَا الْمَقْصُودِ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ الْجَدِيدَ أَفْضَلُ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَزَيَّنْ لِعِبَادَةِ رَبِّك»

(قَالَ) وَادْهُنْ بِأَيِّ دُهْنٍ شِئْت، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَيَّبَ، وَيَدْهُنَ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِمَا شَاءَ.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: كُنْت لَا أَرَى بِذَاكَ بَأْسًا حَتَّى رَأَيْت أَقْوَامًا يُحْضِرُونَ طِيبًا كَثِيرًا، وَيَصْنَعُونَ شَيْئًا شَنْعًا فَكَرِهْت ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَرَاهَةُ ذَلِكَ، وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ حَدِيثُ «الْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مُتَضَمِّخَةٌ أَيْ مُتَلَطِّخَةٌ بِالْخَلُوقِ فَسَأَلَهُ عَنْ الْعُمْرَةِ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا جُبَّتُكَ فَانْزِعْهَا، وَأَمَّا الْخَلُوقُ فَاغْسِلْهُ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِك مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجَّتِك» فَقَدْ أَمَرَهُ بِإِزَالَةِ الطِّيبِ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَنَا حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -

<<  <  ج: ص:  >  >>