الْيَمِينِ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَقَدْ سَقَطَ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتُ حُكْمِ الْإِيلَاءِ بِقَصْدِهِ الْإِضْرَارَ وَالتَّعَنُّتَ بِمَنْعِ حَقِّهَا بِالْجِمَاعِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ حِينَ أَوْفَاهَا حَقَّهَا، وَهُوَ الْفَيْءُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] لِأَنَّ الْفَيْءَ عِبَارَةٌ عَنْ الرُّجُوعِ يُقَالُ: فَاءَ الظِّلُّ إذَا رَجَعَ وَقَدْ رَجَعَ عَمَّا قَصَدَ مِنْ الْإِضْرَارِ حِينَ جَامَعَهَا، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] وَلَكِنَّا نَقُولُ حُكْمُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: ٨٩] الْآيَةَ.، وَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ أَنْ يَفِيءَ إلَيْهَا طَلُقَتْ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً عِنْدَنَا، وَكَانَ مَعْنَى الْإِيلَاءِ إنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَلَمْ أُجَامِعْك فِيهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً هَكَذَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - قَالُوا: عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ مُضِيُّ الْمُدَّةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَكِنَّهُ يُوقَفُ بَعْدَ الْمُدَّةِ حَتَّى يَفِيءَ إلَيْهَا أَوْ يُفَارِقَهَا فَإِنْ أَبَى أَنْ يَفْعَلَ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، وَكَانَ تَفْرِيقُهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً.
وَالْكَلَامُ فِي فَصْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ عِنْدَهُ الْفَيْءُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبَّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] فَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ لِلزَّوْجِ لَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُدَّةُ لَهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ، وَالتَّضْيِيقُ بَعْدَهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُطَالَبًا بِالْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ فَلَا تَكُونُ الْمُدَّةُ لَهُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: ٢٢٦] وَحَرْفُ الْفَاءِ لِلتَّعْقِيبِ. عَرَفْنَا أَنَّ الْفَيْءَ الَّذِي يُؤْمَرُ بِهِ الزَّوْجُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَعِنْدَنَا الْفَيْءُ فِي الْمُدَّةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ). وَقِرَاءَتُهُ لَا تَتَخَلَّفُ عَنْ سَمَاعِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالتَّقْسِيمُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} [البقرة: ٢٢٧] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَيْءَ فِي الْمُدَّةِ وَعَزِيمَةَ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١]، وَالْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْمُجَامَعَةِ فِي الْمُدَّةِ، وَالتَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ بِتَرْكِهَا حَتَّى تَبِينَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَهَذَا التَّرَبُّصُ مَشْرُوعٌ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ طَلَاقًا مُعَجَّلًا فَجَعَلَ الشَّرْعُ لِلزَّوْجِ فِيهِ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَتَّى مَكَّنَهُ مِنْ التَّدَارُكِ فِي الْمُدَّةِ وَجَعَلَ الطَّلَاقَ مُؤَخَّرًا إلَى مَا بَعْدَ الْمُدَّةِ.
(وَالْفَصْلُ الثَّانِي) أَنَّ الْفُرْقَةَ عِنْدَهُ، لَا تَقَعُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا أَوْ بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٧]. وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ بِمَا هُوَ مَسْمُوعٌ وَذَلِكَ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ أَوْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا عِنْدَ فَوْتِ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، فَلَا يَقَعُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي كَفُرْقَةِ الْعِنِّينِ، فَإِنَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute