وَحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجُوا فِي التِّجَارَةِ إلَى خَيْبَرَ وَتَفَرَّقُوا بِحَوَائِجِهِمْ فَوَجَدُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ فَجَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُخْبِرُوهُ فَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْكِبَرَ الْكِبَرَ، فَتَكَلَّمَ أَحَدُ عَمَّيْهِ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ، وَهُوَ الْأَكْبَرُ مِنْهُمَا وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ: وَمَنْ قَتَلَهُ قَالُوا: وَمَنْ يَقْتُلُهُ سِوَى الْيَهُودِ قَالَ: تَبَرُّكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا، فَقَالُوا: لَا نَرْضَى بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ لَا يُبَالُونَ مَا حَلَفُوا عَلَيْهِ قَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ، فَقَالُوا: كَيْفَ نَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ لَمْ نُعَايِنْ وَلَمْ نُشَاهِدْ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ». وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَرَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتِيلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وُجِدَ فِي حَيٍّ لِيَهُودَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: فَأَلْزَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودَ الدِّيَةَ وَالْقَسَامَةَ وَفِي رِوَايَةٍ «فَكَتَبَ إلَيْهِمْ إمَّا أَنْ يَدُوهُ، أَوْ يَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ». وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ إنَّ هَذَا قَتِيلٌ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَمَا الَّذِي يُخْرِجُهُ عَنْكُمْ فَكَتَبُوا إلَيْهِ إنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَقَعَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمْرًا، فَإِنْ كُنْت نَبِيًّا فَاسْأَلْ اللَّهَ مِثْلَ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَانِي أَنْ أَخْتَارَ مِنْكُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا، ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ قَالُوا: لَقَدْ قَضَيْت فِينَا بِالنَّامُوسِ يَعْنِي بِالْوَحْيِ»
وَرَوَى حُنَيْفٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي وَجَدْتُ أَخِي قَتِيلًا فِي بَنِي فُلَانٍ فَقَالَ: اخْتَرْ مِنْ شُيُوخِهِمْ خَمْسِينَ رَجُلًا فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا قَالَ: وَلَيْسَ لِي مِنْ أَخِي إلَّا هَذَا قَالَ: نَعَمْ وَمِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا وُجِدَ بَيْنَ وَدَاعَةَ وَأَرْحَبَ وَكَانَ إلَى وَدَاعَةَ أَقْرَبُ فَقَضَى عَلَيْهِمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْقَسَامَةِ، وَالدِّيَةِ فَقَالَ حَارِثُ بْنُ الْأُصْبَعِ الْوَادِعِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَيْمَانُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَمْوَالِنَا وَلَا أَمْوَالُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَيْمَانِنَا فَقَالَ: حَقَنْتُمْ دِمَاءَكُمْ بِأَيْمَانِكُمْ وَأُغَرِّمُكُمْ الدِّيَةَ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَهَذِهِ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْقَسَامَةِ، وَالدِّيَةِ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَحَلَّةِ عَلَى أَهْلِهَا وَنَوْعٌ مِنْ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَأْتِي مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ؛ لِيُقْتَلَ مُخْتَارًا فِيهَا، وَإِنَّمَا تَمَكَّنَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ بِقُوَّتِهِمْ وَنُصْرَتِهِمْ فَكَانُوا كَالْعَاقِلَةِ فَأَوْجَبَ الشَّرْعُ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ صِيَانَةً لِدَمِ الْمَقْتُولِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute