بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ كَانَ ضَامِنًا لِلدَّابَّةِ، وَلِحِصَّةِ صَاحِبِهِ مِنْ الشَّعِيرِ)؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ مِلْكٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي التَّصَرُّفِ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْ صَاحِبِهِ؛ فَيَكُونُ غَاصِبًا لِلدَّابَّةِ وَلِنَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْ الشَّعِيرِ يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ؛ فَلِهَذَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الدَّابَّةِ، وَنَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الشَّعِيرِ إذَا تَلِفَتْ بِحَمْلِهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَشَرِيكِ الْعَنَانِ وَالْمُفَاوَضِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِي الْحَمْلِ، كَمَا أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِهِ فِي التِّجَارَةِ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا.
ثُمَّ خَتَمَ الْبَابَ فِي الْأَصْلِ بِمَا إذَا اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ، وَلَيْسَ لَهُمَا مَالٌ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا، أَوْ يَعْمَلَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَقَدْ بَيَّنَّا جَوَازَ الْمُفَاوَضَةِ فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الشَّرِكَةِ، كَالْعَنَانِ، إلَّا أَنَّ فِي الْمُفَاوَضَةِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَفِي الْعَنَانِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا التَّفَاوُتَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَفِي التَّقَبُّلِ يَصِحُّ مِنْهُمَا اشْتِرَاطُ التَّفَاوُتِ، وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَا فَرْقَ. وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي التَّقَبُّلِ، فَأَمَّا مَعَ اشْتِرَاطِ التَّسَاوِي فِي أَصْلِ التَّقَبُّلِ؛ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا اشْتِرَاطُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ، وَلَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا. وَفِي النَّوَادِرِ أَيْضًا أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، وَالْوَضِيعَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَوْ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي أَصْلِ التَّقَبُّلِ لَكَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ، (أَحَدُهُمَا): أَنَّ فِي التَّقَبُّلِ هُمَا تَابِعَانِ لِلْعَمَلِ، فَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الْعَمَلِ، فَيَصِحُّ مِنْهُمَا اشْتِرَاطُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ. فَأَمَّا فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ: هُمَا مُتَسَاوِيَانِ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِمَا، فَمَعَ التَّسَاوِي فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا شَرْطُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ. وَتَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ، فَمَنْفَعَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَتَقَوَّمُ بِقَدْرِ مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ مِنْ الرِّبْحِ، بِخِلَافِ عَيْنِ الْمُشْتَرِي؛ فَإِنَّهُ يَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ مِنْ أَحَدِهِمَا اشْتِرَاطُ شَيْءٍ مِنْ رِبْحِ مَالِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ رَأْسِ مَالٍ، وَلَا ضَمَانٍ.
وَإِذَا تَقَبَّلَ الْعَمَلَ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَا مُتَفَاوِضَيْنِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْآخَرَ مُطَالَبٌ بِذَلِكَ. فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقَةً؛ فَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ - قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا - فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْقِيَاسِ لَا يُطَالَبُ إلَّا مَنْ تَقَبَّلَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا عَنَانٌ، وَذَلِكَ لَا يَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ لَا يُطَالَبُ الْآخَرُ بِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا تَقَبَّلَ الْعَمَلَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الْآخَرُ مُطَالَبًا بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقَبُّلَ مَقْصُودٌ بِالشَّرِكَةِ، فَفِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ صَاحِبِهِ، وَيَكُونَانِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ. وَعَلَى هَذَا: إذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا؛ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْأَجْرِ - اسْتِحْسَانًا - لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِعَقْدِهِمَا. وَبَيَانُ كَوْنِهِ مَقْصُودًا: أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute