للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ مَعَ الشُّيُوعِ، وَيُمْلَكُ الْمُشَاعُ عِنْدَكُمْ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالْمُشَاعُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ، وَبَدَلَ الصَّرْفِ. وَاعْتِمَادُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى إجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَقَدْ رَوَيْنَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ شَرْطَ الْقِسْمَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ وَهَبَ ثُلُثَ كَذَا أَوْ رُبُعَ كَذَا: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُقَاسِمَ. وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ شَرْطَ الْقَبْضِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ؛ فَيُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ الَّتِي تُمْكِنُ - كَشَرْطِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاةِ - لَمَّا كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، يَشْتَرِط ذَلِكَ فِيهِ - حَتَّى لَوْ اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ - وَالْحَطِيمُ مِنْ الْبَيْتِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لَا يَكُونُ ثَابِتًا مُطْلَقًا، وَبِدُونِ الْإِطْلَاقِ لَا يَثْبُتُ الْكَمَالُ، ثُمَّ الْقَبْضُ مَعَ الشُّيُوعِ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحِيَازَةِ، وَهُوَ: أَنْ يَصِيرَ الشَّيْءُ فِي حَيِّزِ الْقَابِضِ، وَالْمُشَاعُ فِي حَيِّزِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي حَيِّز شَرِيكِهِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إلَى شَيْءٍ مِنْهُ بِعَيْنِهِ. فَيُقَالُ أَنَّهُ فِي يَدِ هَذَا دُونَ هَذَا؛ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَبْضِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَنْقُضُ قِسْمَةَ الْمُشْتَرِي، كَمَا لَا يَنْقُضُ قَبْضَهُ، وَلَهُ نَقْضُ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِالْقِسْمَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالْقَبْضِ بِالشِّرَاءِ. فَعَرَفْنَا أَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَبْضِ، فَبِدُونِهَا لَا يَتِمُّ، وَلَكِنَّ هَذَا فِيمَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقِسْمَةُ، فَأَمَّا فِيمَا لَا يَقْسِمُ الْقِسْمَةَ: لَا يَكُونُ حِيَازَةً؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ: الِانْتِفَاعُ. وَبِالْقِسْمَةِ يَتَلَاشَى.

فَعَرَفْنَا أَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ لَيْسَتْ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَبْضِ؛ وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ أَصْلِ الْقَبْضِ فِي وُقُوعِ الْمِلْكِ هُنَا لِمَعْنًى. ذَلِكَ الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِسْمَةِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَصِيرَ عَقْدُ التَّبَرُّعِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِلْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ فِي عَيْنِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ طَالَبَهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ طَالَبَهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ طَالَبَهُ بِالْقِسْمَةِ؛ فَيَصِيرُ عَقْدُ التَّبَرُّعِ مُوجِبًا ضَمَانَ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ التَّبَرُّعِ بِخِلَافِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ. (فَإِنْ قِيلَ): يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْمُهَايَأَةَ (قُلْنَا): الْمُهَايَأَةُ قِسْمَةُ الْمَنْفَعَةِ، وَعَقْدُ التَّبَرُّعِ لَاقَى الْعَيْنَ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ضَمَانًا فِي عَيْنِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا مَا لَوْ أَتْلَفَ الْوَاهِبُ الْمَوْهُوبَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الضَّمَانَ يَلْزَمُهُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِعَقْدِ التَّبَرُّعِ، وَضَمَان الْمُقَاسَمَةِ هُنَا وَإِنْ كَانَ بِالْمِلْكِ فَذَلِكَ الْمِلْكُ حُكْمُ الْهِبَةِ، فَلَا يَمْنَعُ إضَافَةَ الضَّمَانِ إلَى الْهِبَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاق، وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ حُكْمُ الشِّرَاءِ، وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ، فَإِنَّهُ عَقْدُ ضَمَانٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ ضَمَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>