الْمُقَاسَمَةِ؛ وَلِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ هُنَاكَ لَا يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِ الْمِلْكِ فَذَلِكَ مَا يُتَمِّمُهُ، وَبِهِ فَارَقَ الْوَصِيَّةَ. فَأَصْلُ الْقَبْضِ هُنَاكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْمِلْكِ فَكَذَلِكَ مَا يُتَمِّمُهُ، وَكَمَا يَسْتَحِقُّ هُنَاكَ ضَمَانُ التَّسْلِيمِ عَلَى الْمَالِكِ يَسْتَحِقُّ ضَمَانَ الْمُقَاسَمَةِ أَيْضًا. وَالْقَرْضُ تَبَرُّعٌ - مِنْ وَجْهٍ - وَمِنْ وَجْهٍ: هُوَ عَقْدُ الضَّمَانِ حَتَّى كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ ضَمَانُ الْمُقَاسَمَةِ، وَشَرْطُ الْقَبْضِ هُنَاكَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ لِيُرَاعَى وُجُودهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ، ثُمَّ لِشَبَهِهِ بِالتَّبَرُّعِ شَرْطنَا فِيهِ الْقَبْض، وَلِشَبَهِهِ بِعَقْدِ الضَّمَانِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقِسْمَةُ، وَذَلِكَ اعْتِبَارٌ صَحِيحٌ فِيمَا لَهُ سَبَبَانِ.
وَحَدِيثُ الْكُبَّةِ فَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ الْغُلُولِ، أَيْ: لَا أَمْلِكُ إلَّا نَصِيبِي. فَكَيْفَ أُطَيِّبُ لَك هَذِهِ الْكُبَّةَ مِنْ الْغَنِيمَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ أَنْ يَهَبَ نَصِيبَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَقَعُ نَصِيبُهُ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَالْكُبَّةُ مِنْ الشَّعْرِ إذَا قُسِّمَتْ عَلَى جُنْدٍ عَظِيمٍ لَا يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ. وَحَدِيثُ الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ الْوَاقِدَيْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الَّذِي اشْتَرَى مَوْضِعَ الْمَسْجِدِ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا وَلَئِنْ تَثْبُت الْهِبَةُ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَسْعَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَبَ نَصِيبَهُ، وَلَمْ يُسْلِم حَتَّى وَهَبَ الرَّجُلَانِ نَصِيبَهُمَا ثُمَّ سَلَّمُوا جُمْلَةً، وَعِنْدَنَا: هَذَا يَجُوزُ؛ فَإِنَّ الْمُؤْثَرَ: الشُّيُوع عِنْدَ الْقَبْضِ، لَا عِنْدَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ الْكُلَّ، وَسَلَّمَ النِّصْفَ: لَا يَجُوزُ. وَلَوْ وَهَبَ النِّصْفَ ثُمَّ النِّصْفَ وَسَلَّمَ الْكُلَّ: جَازَ.
قَالَ: (وَلَوْ وَهَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ مَشَاعًا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ: لَا يَجُوزُ - عِنْدَنَا أَيْضًا -)، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَجُوزُ؛ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧]. فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا كَانَ عَيْنًا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُنْدَبُ إلَى أَنْ تَتْرُكَ الْكُلَّ لِلزَّوْجِ، وَالزَّوْجُ يُنْدَب إلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْكُلَّ إلَيْهَا، وَذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هِبَةٌ فِي الْمُشَاعِ، (وَعَنْ) أَبِي السِّبَاعِ مَوْلَى عَطَاءٍ قَالَ أَقْرَضْت ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَضَانِي فِي كِيسٍ فَوَجَدْته يَزِيدُ عَلَى حَقِّي ثَمَانِينَ فَقُلْت فِي نَفْسِي: لَعَلَّهُ جَرَّبَنِي بِهَذَا فَأَتَيْته، وَأَخْبَرْته بِذَلِكَ فَقَالَ هُوَ لَك فَهَذَا كَانَ مِنْهُ هِبَةً لِلْمُشَاعِ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ مِنْ الشَّرِيكِ؛ وَلِأَنَّ الْمَانِعَ اسْتِحْقَاق ضَمَانِ الْمُقَاسَمَةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْهِبَةِ مِنْ الشَّرِيكِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا بَيَّنَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقِسْمَةِ فِي الْهِبَةِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ، وَفِي ذَلِكَ يَسْتَوِي الْهِبَةُ مِنْ الشَّرِيكِ وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ لَا يُتِمُّ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ فَقَبْضُ الشَّرِيكِ لَا يَتِمُّ بِاعْتِبَارِ مَا لَاقَاهُ فِي الْهِبَةِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ بِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا كَانَ مَمْلُوكًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute