للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ، وَمَا يُشْتَرَطُ لِإِتْمَامِ الْعَقْدِ، فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ثَانِيًا فِيمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ - دُونَ غَيْرِهِ -. فَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ قُلْنَا: الْعَفْوُ حَقِيقَتُهُ: إسْقَاطٌ، وَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ - دُونَ الْعَيْنِ - ثُمَّ فِي الْعَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ بِطَرِيقَةٍ، وَذَلِكَ فِي أَنْ يَهَبَ نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَهُوَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَمَنْ، وَجَدَ مَا يَسْتَوْفِي أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ يُمَيِّزُ لَهُ الْفَضْلَ، وَيَأْتِي بِهِ لِيَرُدَّهُ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَعِنْدَنَا: هَذَا يَجُوزُ.

قَالَ: (وَلَوْ وَهَبَ دَارًا لِرَجُلَيْنِ، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِمَا فَالْهِبَةُ لَا تَجُوزُ، فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجُوزُ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَالتَّسْلِيمَ لَاقَى مَقْسُومًا، فَإِنَّهُ حَصَلَ فِي الدَّارِ جُمْلَةً، فَيَجُوزُ، كَمَا لَوْ وَهَبَهَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّ تَمَكُّنَ الشُّيُوعِ بِاعْتِبَارِ تَفَرُّقِ الْمَالِكِ، وَالْمِلْكُ هُنَا حُكْمُ الْهِبَةِ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ. فَالشُّيُوعُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَى مِلْكٍ يَقَعُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُمَا لَا يَكُونُ مُقْتَرِنًا بِالْعَقْدِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلشُّيُوعِ الطَّارِئِ فِي الْهِبَةِ كَمَا لَوْ رَجَعَ الْوَاهِبُ بِالنِّصْفِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى اسْتِحْقَاقُ ضَمَانِ الْمُقَاسَمَةِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ - وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا -؛ فَالْعَيْنُ تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمُتَبَرِّعِ جُمْلَةً، وَإِنَّمَا ضَمَانُ الْمُقَاسَمَةِ بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُمَا بِاعْتِبَارِ تَفَرُّقِ مِلْكِهِمَا؛ وَلِأَنَّ تَأْثِيرَ الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْهِبَةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الرَّهْنُ فِي مُشَاعٍ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ثُمَّ لَوْ رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ: جَازَ فَالْهِبَةُ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَصِحُّ مَعَ الشُّيُوعِ، ثُمَّ إذَا أَجَّرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ: يَجُوزُ، فَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَبْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَاقَى جُزْءًا شَائِعًا، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْمِلْكِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ، كَمَا لَوْ وَهَبَ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشُّيُوعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقَبْضَ لَا يَتِمُّ مَعَهُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هُنَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَقْبِضُ إلَّا نَصِيبَهُ، وَلَا يَتِمُّ قَبْضُهُ مَعَ الشُّيُوعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَانِعَ تَمَكَّنَ الشُّيُوع فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِعَقْدِ الْهِبَةِ، حَتَّى لَوْ وَهَبَ مِنْ رَجُلٍ النِّصْفَ ثُمَّ النِّصْفَ، وَسَلَّمَ الْكُلَّ جُمْلَةً: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا شُيُوعَ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِعَقْدِ الْهِبَةِ.

وَلَوْ وَهَبَ رَجُلَانِ مِنْ وَاحِدٍ: يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الشُّيُوعِ فِي الْوَاهِبَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا شُيُوعَ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالْهِبَةِ، وَإِنْ وَهَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ زَيْدٍ، وَالْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْ عَمْرٍو: لَا يَجُوزُ لِتَمَكُّنِ الشُّيُوعِ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالْهِبَةِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَانِعَ هَذَا، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ جَانِبُ الْمُتَمَلِّكِ دُونَ الْمُمَلَّكِ حُكْمُ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ اشْتَرَيَا دَارًا مِنْ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِالشُّفْعَةِ لَتَفَرَّقَ الْمِلْك

<<  <  ج: ص:  >  >>