إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشْرِ وَقَدْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلٍ بَعْدَ مَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ طَاهِرَةً حُكْمًا حَتَّى وَجَبَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَلِهَذَا حَلَّ لِلزَّوْجِ غَشَيَانُهَا وَحُكِمَ بِخُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشْرِ وَلَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلٌ فَإِنَّهُ لَا تُجْزِئُهَا الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْحَيْضِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرُبَهَا وَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الرَّجْعَةِ بِنَفْسِ انْقِطَاعِ الدَّمِ.
وَإِذَا كَانَتْ حَائِضًا حُكْمًا فَلَيْسَ لِلْحَائِضِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي سَفَرٍ وَهِيَ عَادِمَةٌ لِلْمَاءِ فَحِينَئِذٍ لَهَا أَنْ تَتَيَمَّمَ بَعْدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَتُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمِ فِي حَقِّهَا بِمَنْزِلَةِ الِاغْتِسَالِ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهَا أَدَاءُ الْمَكْتُوبَةِ بِالتَّيَمُّمِ فَكَذَلِكَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ ثُمَّ هَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ يَقُولُ الرَّجْعَةُ تَنْقَطِعُ بِنَفْسِ التَّيَمُّمِ وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الرَّجْعَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْقَطِعُ بِنَفْسِ التَّيَمُّمِ وَلَكِنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ بِالنَّصِّ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ دُونَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ طَهَارَةً فِي حَقِّ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَنْ يَكُونَ طَهَارَةً فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَيْضًا فَإِنْ غُسِّلَ مَيِّتٌ وَبَقِيَ مِنْهُ عُضْوٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَكُفِّنَ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ الْكَفَنِ فَيُغَسَّلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ ثُمَّ يُكَفَّنُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعُضْوِ الْكَامِلِ فِي حُكْمِ الِاغْتِسَالِ كَبَقَاءِ جَمِيعِ الْبَدَنِ حَتَّى لَا تَنْقَطِعَ الرَّجْعَةُ إذَا اغْتَسَلَتْ الْمَرْأَةُ وَبَقِيَ مِنْهَا عُضْوٌ فَيَكُونُ هَذَا وَمَا لَوْ كُفِّنَ قَبْلَ أَنْ يُغَسَّلَ سَوَاءً، وَهُنَاكَ يُخْرَجُ مِنْ الْكَفَنِ وَيُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى حَالِهِ بَعْدَ مَا كُفِّنَ فَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ غُسْلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الدَّفْنِ فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ حِينَ أَهَالُوا التُّرَابَ عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ فَرْضُ الْغُسْلِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ مَوْضِعُ أُصْبُعٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُخْرَجُ مِنْ الْكَفَنِ لِأَجْلِ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُخْرَجُ فَيُغَسَّلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ اللُّمْعَةِ كَبَقَاءِ جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي اغْتِسَالِ الْحَيِّ فَكَذَلِكَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَكَمَا لَا يَتَجَزَّأُ حُكْمُ الْغُسْلِ فِي الْبَدَنِ وُجُوبًا فَكَذَلِكَ لَا يَتَجَزَّأُ سُقُوطًا وَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِغَسْلِهِ وَقِيَامُ الْخِطَابِ بِغَسْلِهِ عُذْرٌ لَهُمْ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ الْكَفَنِ فَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ عَلِمُوا بِهِ مِنْ قَبْلِ التَّكْفِينِ سَوَاءً
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقُولَانِ لَا يُتَيَقَّنُ بِقِيَامِ فَرْضِ الْغُسْلِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِمَّا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ فَلَعَلَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ الْمَاءُ ثُمَّ جَفَّ وَقَدْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي حُكْمِ الرَّجْعَةِ فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ عِنْدَ بَقَاءِ اللُّمْعَةِ لِهَذَا فَكَذَلِكَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute