يُجَامِعَ الْأُخْرَى غَيْرَ أَنِّي لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا حَتَّى تَحِيضَ أُخْتُهَا حَيْضَةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ»، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَ الَّتِي تَزَوَّجَ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْبَغِي لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ» فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَنْبَغِ لِلْمَوْلَى أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُزَوِّجَ إحْدَاهُمَا أَوْ يَبِيعَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ يَسْقُطُ عَنْهَا بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعَادَ الْحُكْمُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ التَّزْوِيجِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إحْدَاهُمَا وَسَلَّمَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا عَلَى نَفْسِهِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهَذَا لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَوْطُوءَتُهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ كَحَالِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فِي الْمَنْعِ.
قَالَ وَإِذَا ارْتَدَّتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا حِلٌّ لِغَيْرِهِ وَحُرْمَتُهَا عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ كَحُرْمَتِهَا بِالْحَيْضِ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ وَالتَّدْبِيرُ فَمُبَاشَرَتُهُ فِي إحْدَاهُمَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى بِاعْتِبَارِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَحِقَ إحْدَاهُمَا دَيْنٌ أَوْ جِنَايَةٌ فَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ تُدْفَعْ أَوْ تُبَعْ، فَإِذَا دُفِعَتْ أَوْ بِيعَتْ فِي الدَّيْنِ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ وَحَلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: وَلَوْ كَاتَبَ إحْدَاهُمَا أَوْ أَعْتَقَ بَعْضَهُمَا فَقَضَى عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ أَوْ لَمْ يَقْضِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى أَمَّا فِي مُعْتَقَةِ الْبَعْضِ فَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْهَا بِقَدْرِ مَا أَعْتَقَ وَزَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ بَعْضِهَا فِي حُكْمِ الْحُرْمَةِ كَزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ جَمِيعِهَا وَفِي الْكِتَابَةِ الْجَوَابُ مُشْكِلٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهَا بِالْكِتَابَةِ لَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ بَعْدَ الْعَجْزِ وَلَمْ يَحِلَّ فَرْجُهَا لِغَيْرِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى وَلَكِنْ قَالَ مِلْكُ الْمَوْلَى يَزُولُ بِالْكِتَابَةِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ بِوَطْئِهَا وَجَعَلَ وَطْأَهُ إيَّاهَا وَطْئًا فِي غَيْرِ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَنْفَكَّ عَنْ عُقُوبَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ وَقَدْ سَقَطَتْ الْعُقُوبَةُ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فَيُجْعَلُ زَوَالُ مِلْكِ الْحِلِّ عَنْهَا بِالْكِتَابَةِ كَزَوَالِهِ بِتَزْوِيجِهَا أَوْ بَيْعِ بَعْضِهَا فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ إحْدَاهُمَا أَوْ وَهَبَ شِقْصًا مِنْهَا وَسَلَّمَ فَهُوَ وَالْبَيْعُ سَوَاءٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَسَرَهَا الْعَدُوُّ وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ، وَلَوْ أَبَقَتْ إلَيْهِمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الْبَاقِيَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا الْآبِقَ بِالْأَخْذِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute