الثَّلَاثُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ بِخِلَافِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ احْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا انْتَفَحَ النَّهَارُ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَارْمُوا يُقَالُ انْتَفَحَ النَّهَارُ إذَا عَلَا، وَاعْتُبِرَ آخِرُ الْأَيَّامِ بِأَوَّلِ الْأَيَّامِ فَكَمَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَكَذَا فِي الْيَوْمِ الْآخَرِ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّمْيَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ يَجُوزُ تَرْكُهُ أَصْلًا فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُشْبِهُ النَّوَافِلَ، وَالتَّوْقِيتُ فِي النَّفْلِ لَا يَكُونُ عَزِيمَةً فَلِهَذَا جُوِّزَ الرَّمْيُ فِيهِ قَبْلَ الزَّوَالِ لِيَصِلَ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ اللَّيْلِ
(قَالَ) وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِثْلَ حَصَاةِ الْخَذْفِ هَكَذَا «عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ فَإِنَّهُ جَعَلَ طَرَفَ إحْدَى سَبَّابَتَيْهِ عِنْدَ الْأُخْرَى فَرَمَى بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ، وَقَالَ هَكَذَا فَارْمُوا»، وَإِنْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَ الْكِبَارَ مِنْ الْأَحْجَارِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُصِيبُ أَحَدًا فَيَتَأَذَّى بِهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَلْبَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ»
(قَالَ) وَلَيْسَ فِي الْقِيَامِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّوْقِيتَ فِي الدُّعَاءِ يُذْهِبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَهُمَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ لِلْحَدِيثِ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ، وَفِي الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ»
(قَالَ) وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ سَوَاءٌ كَمَا فِي سَائِر الْمَنَاسِكِ، وَإِنْ رَمَاهَا رَاكِبًا أَجْزَأَهَا لِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى الْجِمَارَ رَاكِبًا»، وَقَدْ بَيَّنَّا مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ كُلِّ جَمْرَةٍ
(قَالَ) وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ رَمْيَ الْجِمَارِ يُوضَعُ الْحَصَى فِي كَفِّهِ حَتَّى يَرْمِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْهُ يَسْتَعِينُ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ رُمِيَ عَنْهُ أَجْزَأَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّ النِّيَابَةَ تَجْرِي فِي النُّسُكِ كَمَا فِي الذَّبْحِ
(قَالَ) وَالصَّبِيُّ الَّذِي يَحُجُّ بِهِ أَبُوهُ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ وَيَرْمِي الْجِمَارَ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ لِلتَّخَلُّقِ حَتَّى يَتَيَسَّرَ لَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيُؤْمَرَ بِهِ بِمِثْلِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْبَالِغُ، وَإِنْ تَرَكَ الرَّمْيَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ يُحْرِمُ عَنْهُ أَبُوهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لِلتَّخَلُّقِ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا إذْ لَيْسَ لِلْأَبِ عَلَيْهِمَا وِلَايَةُ الْإِيجَابِ فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُمَا فِيهِ عَاجِلًا، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ الرَّمْيِ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْكَفَّارَاتِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ عِنْدَنَا، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ الرَّمْيِ هَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًّا مِنْ هَوْدَجِهَا إلَيْهِ فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ فَقَالَ نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرُهُ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونُ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute