للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَتَوَقَّتُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ دُونَ الْمَكَانِ حَتَّى إذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ حَلَقَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ مَا كَانَ لِلتَّحَلُّلِ فِي الْحَجِّ يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ جَمِيعًا كَالطَّوَافِ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ التَّحَلُّلُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، وَيَتَوَقَّتُ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الطَّوَافَ عَنْ وَقْتِهِ يَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَكَذَلِكَ إذَا أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ وَقْتِهِ، وَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتَدَّ بِحَلْقِهِ خَارِجَ الْحَرَمِ كَمَا لَا يَعْتَدُّ بِطَوَافِهِ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ مُعْتَدًّا بِهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ فِعْلِهِ الرَّأْسُ دُونَ الْحَرَمِ فَيَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ، وَلَكِنَّهُ جَانٍ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ مَكَانِهِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْمَكَانِ كَمَا يَلْزَمُهُ عَنْ وَقْتِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَلْقَ لَا يُعْقَلُ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَاهُ قُرْبَةً بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مَا حُلِقَ لِلْحَجِّ إلَّا فِي الْحَرَمِ يَوْمَ النَّحْرِ فَمَا وُجِدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَكُونُ قُرْبَةً، وَمَا خَالَفَ هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَيَلْزَمُهُ الْجَبْرُ فِيهِ بِالدَّمِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَلْقُ الَّذِي هُوَ نُسُكٌ فِي أَوَانِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَلْقِ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ قَبْلَ أَوَانِهِ فَكَمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، وَلَا مَكَان فَكَذَلِكَ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان؛ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَصَّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ لَمْ يَكُنْ مُعْتَدًّا بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَوَاءٌ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ فَحَلَقَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ تَعَلُّقُ الْمَنَاسِكِ بِالْمَكَانِ آكَدُ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالزَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّوَافَ الْمُخْتَصَّ بِمَكَانٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَالْمُؤَقَّتُ مِنْ الطَّوَافِ بِزَمَانٍ يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَعَرَفْنَا أَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالْمَكَانِ أَشَدُّ فَالْحَلْقُ الَّذِي هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْحَرَمِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَتَى بِهِ خَارِجَ الْحَرَمِ يَتَمَكَّنُ فِيهِ النُّقْصَانُ فَيَلْزَمُهُ الْجَبْرُ بِالدَّمِ، وَتَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ كَثِيرُ نُقْصَانٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْجَبْرُ بِالدَّمِ فَأَمَّا فِي الْعُمْرَةِ فَلَا يَتَوَقَّتُ الْحَلْقُ بِزَمَانٍ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ فِيهِ شَهْرًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُمْرَةِ لَا يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ، وَمَا هُوَ الرُّكْنُ، وَهُوَ الطَّوَافُ فِيهِ أَيْضًا لَا يَتَوَقَّتُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ فَكَذَلِكَ الْحَلْقُ فِيهِ لَا يَتَوَقَّتُ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَلَكِنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِالْحَرَمِ حَتَّى لَوْ حَلَقَ لِلْعُمْرَةِ خَارِجَ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي الْحَجِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا شَيْءَ عَلَيْهِ

(قَالَ) وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْصَرِ حَلْقٌ إذَا حَلَّ وَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ فَحَسَنٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرَى عَلَيْهِ الْحَلْقَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْحَدِيثِ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>