للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ إلَى الْجَبَّانَةِ وَيَسْتَخْلِفَ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ فِي الْجَامِعِ. هَكَذَا فَعَلَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ قَدِمَ الْكُوفَةَ

قَالَ (وَإِذَا ذَبَحَ بَعْدَ مَا فَرَغَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ فَفِي الْقِيَاسِ لَا تُجْزِئُهُ)؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ أَهْلِ الْجَبَّانَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَاعْتِبَارُ جَانِبِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ يُجَوِّزُ ذَلِكَ، وَفِي الْعِبَادَاتِ يُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا وَقُلْنَا قَدْ أُدِّيَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الْمِصْرِ حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِذَلِكَ أَجْزَأَهُمْ فَتَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَشْرُوطَ قَدْ وُجِدَ حِينَ ضَحَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي هَذَا الْمِصْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ سَبَقَ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ بِالصَّلَاةِ فَضَحَّى رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ.

وَقِيلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ فِي الْعِيدِ الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ فَأَهْلُ الْجَبَّانَةِ هُمْ الْأَصْلُ، وَقَدْ صَلَّوْا وَقِيلَ لِلْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِالْجَبَّانَةِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِمَا ذَكَرْنَا فَهُنَا أَوْلَى.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُضَحِّيَ بِالْجَمَّاءِ وَبِمَكْسُورِ الْقَرْنِ) أَمَّا الْجَمَّاءُ فَلِأَنَّ مَا فَاتَ مِنْهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ مِنْ الْإِبِلِ أَفْضَلُ، وَلَا قَرْنَ لَهُ. وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْجَمَّاءِ فَمَكْسُورُ الْقَرْنِ أَوْلَى، وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

وَكَذَلِكَ الْخَصِيُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، أَوْ مَوْحُوَيْنِ أَحَدَهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرَ عَنْ أُمَّتِهِ». وَالْمُرَادُ خَصِيَّانِ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ يَقُولُ مَا يُزَادُ فِي لَحْمِهِ بِالْخِصَاءِ أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ مِمَّا يَفُوتُ بِالْأُنْثَيَيْنِ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لِلْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُضَحِّيَ بِالْجَرْبَاءِ وَالتَّوْلَاءِ إذَا كَانَتْ سَمِينَةً) وَالْجَرْبَاءُ الَّتِي بِهَا جَرَبٌ. وَإِذَا كَانَتْ سَمِينَةً فَالْجَرَبُ فِي جِلْدِهَا لَا فِي لَحْمِهَا «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُضَحَّى بِالْعَجْفَاءِ الَّتِي لَا تُنْقِي».

وَالتَّوْلَاءُ هِيَ الْمَجْنُونَةُ وَالْجُنُونُ عَيْبٌ فِي الْقُضَاةِ لَا فِي الشَّاةِ. فَإِذَا كَانَتْ سَمِينَةً فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا بَاقٍ وَاشْتِرَاطُ السَّمْنِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ يَرْعَيَانِ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرَانِ فِي سَوَادٍ وَيَأْكُلَانِ فِي سَوَادٍ» وَمَقْصُودُ الرَّاوِي مِنْ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ بَيَانُ السَّمْنِ.

قَالَ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكَ سَبْعَةُ نَفَرٍ فِي بَقَرَةٍ، أَوْ بَدَنَةٍ). وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ بَقَرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ، وَلَا تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ» وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ «جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ اشْتَرَكْنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>