الْوَلَدِ، وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ بَدَلٌ فِي حَقِّ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ عَقْدُ ازْدِوَاجٍ وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْأَصْلِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْأَمَةِ فَكَانَ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي مَعْنَى الْبَدَلِ، فَكَمَا أَنَّ وُجُودَ الْأَصْلِ يَمْنَعُ الْعُدُولَ إلَى الْبَدَلِ فَكَذَلِكَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهِ كَالتَّيَمُّمِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْمَاءِ كَمَا يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ فَالْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالشِّرَاءِ تَمْنَعُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] فَإِذَا اسْتَطَابَ نِكَاحَ الْأَمَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْحِلِّ، وَالْأَمَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَحَلَّاتِ فِي حَقِّ الْحُرِّ كَالْحُرِّ فَيَكُونُ جَوَازُ نِكَاحِهَا أَصْلًا لَا بَدَلًا وَلَا ضَرُورَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا مُحَلَّلَةٌ لَهُ أَنَّهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَحَلًّا لَهُ، وَلَا يَحِلُّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ إلَّا مَا يَحِلُّ بِمِلْكِ النِّكَاحِ وَأَنَّهَا مُحَلَّلَةٌ لِلْعَبْدِ أَصْلًا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحِلَّ فِي حَقِّ الْحُرِّ أَوْسَعُ مِنْهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، لَا يَثْبُتُ الْحِلُّ لِلْعَبْدِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَيَثْبُتُ لِلْحُرِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ تَحِلُّ لِلذُّكُورِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ النَّسْلِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ثُمَّ الْحُرْمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَعَانِي نَصَّ عَلَيْهَا الشَّرْعُ مِنْ الْأُمِّيَّةِ وَالْأُخْتِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِذَا انْعَدَمَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَ الْحِلُّ ثَابِتًا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ تَعْرِيضِ الْوَلَدِ لِلرِّقِّ أَيْضًا فَأَنَّ نِكَاحَ الْعَقِيمِ وَالْعَجُوزِ يَجُوزُ، وَفِيهِ تَضْيِيعُ النَّسْلِ أَصْلًا، فَلَأَنْ يَجُوزَ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَضْيِيعُ صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ لِلنَّسْلِ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ قَدَرَ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ أَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأَمَةَ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضُ وَلَدِهِ لِلرِّقِّ، فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ اعْتِمَادَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ دَعْوَاهُ أَنَّ الْأَمَةَ فِي حُكْمِ الْبَدَلِ فَاسِدٌ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَدَلًا لَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بَعْدَ وُجُودِ الْأَصْلِ، كَمَا لَا يَبْقَى حُكْمُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: حُرْمَةُ نِكَاحِ الْأَمَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ».
أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّةَ لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَسْتَغْنِي بِنِكَاحِهَا عَنْ الْأَمَةِ، وَيَخَافُ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَانِعَ هُنَاكَ عَيْنُ نِكَاحِ الْحُرَّةِ لَا الِاسْتِغْنَاءُ بِنِكَاحِهَا، وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ بِنِكَاحِ الْحُرَّةِ يَثْبُتُ لِنَسْلِهِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ بِتَزَوُّجِ الْأَمَةِ يُبْطِلُ الْحَقَّ الثَّابِتَ، وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَأَمَّا بِطَوْلِ الْحُرَّةِ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ لِوَلَدِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَحَلَّاتِ بِالنِّكَاحِ مَضْمُومَةٌ إلَى الْحُرَّةِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَحَلَّاتِ مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ عَقْدُ النِّكَاحِ نِعْمَةٌ فِي جَانِبِ الرِّجَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute