وَالتَّفْرِيقُ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْمَكَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا وَبَيَّنَّا تَفْسِيرَ قَوْلِهِ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَنَزِيدُهُ وُضُوحًا فَنَقُولُ الْمُرَادُ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إحْدَى وَسِتُّونَ مِنْ الْإِبِلِ لِأَحَدِهِمَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ وَلِلْآخِرِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، فَإِنَّ الْمُصَدِّقَ يَأْخُذُ مِنْهَا بِنْتَ لَبُونٍ وَبِنْتَ مَخَاضٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ بِزَكَاةِ صَاحِبِهِ وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا أَوْلَى، فَإِنَّ التَّرَاجُعَ عَلَى وَزْنِ التَّفَاعُلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا
(قَالَ) وَالشَّرِيكُ الْمُفَاوِضُ وَالْعَنَّانُ وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَغِنَى الْمَالِكِ بِهِ وَلَا مِلْكَ لِلشَّرِيكِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ مُفَاوِضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ
(قَالَ) وَإِذَا مَرَّ الْمُسْلِمُ عَلَى الْعَاشِرِ بِالْمَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ، فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لِلتِّجَارَةِ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِذَا أَنْكَرَ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَالْعَاشِرُ لَا يَأْخُذُ إلَّا الزَّكَاةَ، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ بِصِفَةِ الْإِسَامَةِ أَوْ التِّجَارَةِ وَمَا يَمُرُّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ لَا يَكُونُ سَائِمَةً، وَقَدْ انْتَفَى صِفَةُ التِّجَارَةِ فِي حَقِّهِ بِحَلِفِهِ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ وَالتَّغْلِبِيُّ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَمُرُورُهُمَا عَلَى الْعَاشِرِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ كَمَا يَكُونُ بِمَالِ التِّجَارَةِ كَالْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَا يُصَدِّقُ فِي ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ وَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ فِي هَذَا مَنْ يَمُرُّ بِهِ مِنَّا عَلَيْهِمْ، فَكَذَلِكَ نَحْنُ لَا نُصَدِّقُهُمْ، وَلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِنَا لَا يَدْخُلُ إلَّا عَلَى قَصْدِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَمَا مَعَهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فَلِهَذَا أُخِذَ مِنْهُ
(قَالَ): رَجُلٌ مَاتَ بَعْدَ مَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فِي سَائِمَتِهِ فَجَاءَ الْمُصَدِّقُ وَهِيَ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ صَدَقَتَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ أَوْصَى أَوْ لَمْ يُوصِ. وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ «الْخَثْعَمِيَّةِ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِيهِ قَالَتْ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» فَقَدْ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَيْنَ اللَّهِ بِدَيْنِ الْعِبَادِ، ثُمَّ دَيْنُ الْعِبَادِ يُقْضَى مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْوَفَاةِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمِيرَاثِ فَكَذَلِكَ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْفِقْهُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا حَقٌّ كَانَ مُطَالَبًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَتَجْرِي النِّيَابَةُ فِي إيفَائِهِ فَيُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَدُيُونِ الْعِبَادِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَالَ خَلَفٌ عَنْ الذِّمَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي تُقْتَضَى بِالْمَالِ وَالْوَارِثُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُورِثِ فِي أَدَاءِ مَا تَجْرِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute