للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَمْنُوعًا مِنْهُمَا فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ وَالتَّحَلُّلُ بِالطَّوَافِ فَيَكُونُ مُحْصَرًا كَمَا لَوْ أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ

(قَالَ) رَجُلٌ أَهَلَّ بِعُمْرَتَيْنِ مَعًا فَسَارَ إلَى مَكَّةَ لِيَقْضِيَهُمَا ثُمَّ أُحْصِرَ قَالَ يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ لِوَاحِدٍ. وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ نَقُولَ: مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَتَيْنِ مَعًا أَوْ بِحَجَّتَيْنِ مَعًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ بِهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعَيْنِهِ بَلْ لِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ بِهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَدَاءُ حَجَّتَيْنِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا أَدَاءُ عُمْرَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَالْعَقْدُ إذَا خَلَا عَنْ مَقْصُودِهِ لَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا أَصْلًا فَإِذَا خَلَا أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ هُنَا عَمَّا هُوَ مَقْصُودٌ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِحْرَامُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا، وَقَاسَا بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَفِي صَلَاتَيْنِ بِتَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إلَّا فِي أَحَدِهِمَا، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاضِحٌ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْإِحْرَامَ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ الْإِحْرَامُ مِنْ الشَّرَائِطِ فَفِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ جُعِلَ مِنْ الْأَرْكَانِ. أَلَا تَرَى أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْإِحْرَامَ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْحَجَّ بِهِ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الشَّرَائِطِ لَكَانَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْأَرْكَانِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْمَثْنَى مِنْهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالْوُقُوفِ لِحَجَّتَيْنِ وَالطَّوَافِ لِعُمْرَتَيْنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ أَحَدُهُمَا وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُنَافَاةٌ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَنْ لَا يَثْبُتَ أَحَدُهُمَا كَنِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ مَعًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ انْعَقَدَ الْإِحْرَامُ ثُمَّ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ لَا يَتَّصِلُ بِالْإِحْرَامِ، وَالتَّنَافِي بَيْنَهُمَا فِي أَدَاءِ الْأَفْعَالِ، وَإِذَا كَانَ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ لَا يَتَّصِلُ بِالْإِحْرَامِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَالشُّرُوعُ هُنَاكَ مِنْ الْأَدَاءِ، وَيَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ وَالْوَقْتُ مِعْيَارُ الصَّوْمِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَدَاءُ الصَّوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ثُمَّ الْإِحْرَامُ سَبَبٌ لِالْتِزَامِ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ الْأَدَاءُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ.

وَالنَّذْرُ بِالْعُمْرَتَيْنِ صَحِيحٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرَائِطِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ أَعُطِيَ لَهُ حُكْمُ الْأَرْكَانِ انْتِهَاءً فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُنَافَاةُ فِيهِ كَمَنْ تَطَهَّرَ لِأَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ عَقَدَ إحْرَامَهُ بِهِمَا يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ كَمَا فَرَغَ مِنْ الْإِحْرَامِ جَاءَ أَوَانُ أَدَاءِ الْأَعْمَالِ، وَالْمُنَافَاةُ مُلْتَحِقَةٌ فَيَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا، وَيَمْضِي فِي الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِعُمْرَتَيْنِ فَعَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>