قَضَاءُ الْعُمْرَةِ الَّتِي رَفَضَهَا، وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ بِحَجَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ لِرَفْضِ أَحَدِهِمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا مَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِالْعَمَلِ لِلْآخَرِ، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا يَسِيرُ إلَى مَكَّةَ لِأَدَاءِ الْأَعْمَالِ يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَا لَمْ يَأْخُذْ فِي الطَّوَافِ لَا يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَنَافَ الْإِحْرَامَانِ ابْتِدَاءً لَا يَتَنَافَيَانِ بَقَاءً بَلْ الْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا الْمُنَافَاةُ فِي الْأَعْمَالِ فَمَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِعَمَلِ أَحَدِهِمَا لَا يَصِيرُ رَافِضًا لِلْآخَرِ، وَفَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أُحْصِرَ قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ إلَى مَكَّةَ. قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَبْعَثُ بِهَدْيَيْنِ لِلتَّحَلُّلِ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَبْعَثُ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ صَارَ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّمَا أُحْصِرَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا إحْرَامٌ وَاحِدٌ فَلَا يَبْعَثُ إلَّا بِهَدْيٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ سَارَ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ أُحْصِرَ فَإِنَّمَا يَبْعَثُ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ صَارَ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا حِينَ سَارَ فِي عَمَلِ الْآخَرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلرَّفْضِ، وَدَمٌ آخَرُ لِلتَّحَلُّلِ فَأَمَّا حُكْمُ الْقَضَاءِ فَإِنَّ أَهَلَّ بِعُمْرَتَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجَّتَيْنِ، وَعُمْرَتَيْنِ
(قَالَ) رَجُلٌ أَهَلَّ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يَنْوِي حَجَّةً وَلَا عُمْرَةً يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ مَعَ الْإِبْهَامِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَلِيًّا، وَأَبَا مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا قَدِمَا مِنْ الْيَمَنِ قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَ أَهْلَلْتُمَا قَالَا أَهْلَلْنَا بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَقَدْ صَحَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْرَامَهُمَا مَعَ الْإِبْهَامِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ لِلنُّسُكِ ابْتِدَاءً، وَالْإِبْهَامُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَبَعْدَمَا انْعَقَدَ الْإِحْرَامُ مُبْهَمًا فَلِلْخُرُوجِ مِنْهُ طَرِيقَانِ شَرْعًا أَمَّا الْحَجُّ أَوْ أَعْمَالُ الْعُمْرَةِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ خَرَجَ عَنْهُ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ شَاءَ بِأَعْمَالِ الْحَجِّ، وَكَانَ تَعْيِينُهُ فِي الِانْتِهَاءِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنْ أُحْصِرَ قَبْلَ أَنْ يُعَيِّنَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ فَالتَّحَلُّلُ عَنْ إحْرَامٍ وَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَةٍ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ لِأَنَّ إحْرَامَهُ إنْ كَانَ لِلْحَجِّ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي قَضَاءِ الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: الْمُتَيَقَّنُ بِهِ يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَقَطْ، وَالْمُتَيَقَّنُ الْعُمْرَةُ، وَلَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ هَذَا الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْإِحْصَارِ بِأَدَاءِ الْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْصَارِ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ هَذِهِ الْعُهْدَةِ بِأَدَاءِ الْعُمْرَةِ.
(قَالَ) وَإِنْ لَمْ يُحْصَرْ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ فَإِنْ طَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ شَيْئًا فَهِيَ عُمْرَةٌ لِأَنَّ طَوَافَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute