الْعُمْرَةِ وَاجِبٌ، وَالتَّحِيَّةُ فِي الْحَجِّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَبَيْنَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلِهَذَا جَعَلْنَا طَوَافَهُ لِلْعُمْرَةِ، وَيَحْصُلُ التَّعْيِينُ بِهِ.
(قَالَ) وَكَذَلِكَ إذَا جَامَعَ قَبْلَ التَّعْيِينِ فَعَلَيْهِ دَمُ الْجِمَاعِ وَالْمُضِيُّ فِي أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاءُ عُمْرَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْمُتَيَقَّنُ بِهِ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ دَيْنًا، وَالْمُتَيَقَّنُ هُوَ الْعُمْرَةُ فَلِهَذَا تَعَيَّنَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لِلْحَجِّ، وَقَدْ أَفْسَدَهَا بِالْجِمَاعِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَيَفُوتُهُ الْحَجُّ بِصِفَةِ الصِّحَّةِ أَصْلًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ لِلْعُمْرَةِ، لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ فَلِهَذَا تَعَيَّنَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ.
(قَالَ) وَلَوْ أَهَلَّ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ كَمَا بَيَّنَّا، وَسَمَّى ثُمَّ نَسِيَهُ وَأُحْصِرَ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ.
(قَالَ) وَإِذَا تَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ فَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ، وَهَذَا احْتِيَاطٌ وَأَخْذٌ بِالثِّقَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حِينَ أَحْرَمَ نَوَى الْحَجَّ فَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ عُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هُنَاكَ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْحَجَّ عِنْدَ إحْرَامِهِ، وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الْحَجِّ فَإِذَا تَيَقَّنَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْحَجَّ لَا يَكُونُ لِلْأَمْرِ بِالِاحْتِيَاطِ مَعْنًى، وَهُنَا هُوَ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ حِينَ أَحْرَمَ نَوَى الْحَجَّ فَكَانَ هَذَا أَوَانَ الْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ فَلِهَذَا يَحْتَاطُ وَيَقْضِي عُمْرَةً وَحَجَّةً.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ فِي الِابْتِدَاءِ وَبَيْنَ مَا إذَا عَيَّنَ ثُمَّ نَسِيَ ظَاهِرٌ فِي الْمَسَائِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَهُمَا، وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَعْتَقَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ نَسِيَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُحْصَرْ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَلَكِنَّهُ وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عُمْرَةً وَحَجَّةً، وَيَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَوَى إحْرَامَ الْحَجِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَوَى إحْرَامَ الْعُمْرَةِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لَا يَعْرِفُهَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اسْتِحْسَانًا فَكَذَلِكَ هُنَا.
(قَالَ) وَلَوْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَاحِدٌ لِلْجِمَاعِ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ إتْمَامُ عُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ فَكَمَا أَنَّ قَبْلَ الْإِفْسَادِ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي عُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْإِفْسَادِ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَعْمَالِ، وَالْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ صِحَّةِ النُّسُكَيْنِ.
(قَالَ) وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَمَا نَوَى أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَحَجَّةً، وَلَبَّى بِهِمَا فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ بَعْدَمَا لَبَّى بِهِمَا أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ بِطَرِيقَةِ إضَافَةِ أَحَدِ الْإِحْرَامَيْنِ إلَى الْآخَرِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِلْجِمَاعِ، وَحُكْمُهُ فِي الْقَضَاءِ مِثْلُ الْأَوَّلِ كَمَا بَيَّنَّا
(قَالَ) وَلَوْ أَهَلَّ بِشَيْئَيْنِ ثُمَّ نَسِيَهُمَا فَأُحْصِرَ بَعَثَ بِهَدْيَيْنِ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ فَإِذَا تَحَلَّلَ بِهَدْيَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ عُمْرَتَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute