للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخَمِّسَ مَالَهُ فَقَالَ «أَمَّا إسْلَامُكَ فَمَقْبُولٌ، وَأَمَّا مَالُكَ فَمَالُ غَدْرٍ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ أَجَزْتُهُ»؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالِكًا لِلْمَالِ بِالْإِحْرَازِ.

وَالنَّهْيُ عَنْ الشِّرَاءِ مِنْهُ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي عَيْنِ الشِّرَاءِ فَلَا يُمْنَعُ جَوَازُهُ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً كَرِهْتُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ فِيهَا مَقَامَ الْبَائِعِ، وَكَانَ يُكْرَهُ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا فَكَذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَهَا الْمُشْتَرِي جَازَ لِلثَّانِي وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ لِبَقَاءِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي، وَهَهُنَا الْكَرَاهَةُ لِمَعْنَى الْغَدْرِ وَكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِرَدِّهَا عَلَيْهِمْ دِينًا، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ الثَّانِي كَهُوَ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَصَابَ أَهْلُ هَذِهِ الدَّارِ سَبَايَا مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَسِعَ هَذَا الْمُسْلِمُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا ذَلِكَ بِالْإِحْرَازِ بِمَنَعَتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ نُهْبَةٌ يَمْلِكُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ نَفْسَهُ، وَمَالَهُ بِالْإِحْرَازِ فَحَلَّ لِلْمُسْتَأْمَنِ إلَيْهِمْ شِرَاءُ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ سُبِيَ أَهْلُ الدَّارِ الَّتِي هُوَ فِيهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُمْ مِنْ السَّابِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُمْ بِالْإِحْرَازِ، وَقَدْ كَانُوا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فِي حَقِّهِ إنَّمَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَغْدِرَ بِهِمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْغَدْرِ فِي شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَادَعُوا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَوْمٌ آخَرُونَ أَهْلُ حَرْبٍ لَهُمْ فَلِهَذَا الْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ السَّبْيَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْمُوَادَعَةِ مَا خَرَجُوا مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ حَرْبٍ، وَلَكِنْ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَغْدِرَ بِهِمْ، وَقَدْ صَارُوا مَمْلُوكِينَ لِلسَّابِي بِالْإِحْرَازِ فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ مِنْهُمْ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ سَبَوْهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَدَرُوا بِأَهْلِ الْمُوَادَعَةِ لَمْ يَسَعْ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ، وَإِنْ اشْتَرَوْا رَدَدْت الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَمَانٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ أَمَانَ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ كَأَمَانِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْلِمُونَ رِقَابَ الْمُسْتَأْمَنِينَ وَأَمْوَالَهُمْ بِالْإِحْرَازِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ دَخَلَ إلَيْهِمْ رَجُلٌ بِأَمَانٍ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمُسْلِمُ مَا أَمَّنَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ أَمَّنُوهُ، وَكَيْفَ يُقَالُ قَدْ أَمَّنَهُمْ، وَهُوَ مَقْهُورٌ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنْهُمْ فَلِهَذَا حَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ سَبْيُهُمْ، وَهَهُنَا هُمْ فِي أَمَانٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أَمَّنَهُمْ مَنْ لَهُ مَنَعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِذَا كَانَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَأْمَنِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَغَارَ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ يَحِلَّ لِهَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ؛ لِأَنَّ فِي الْقِتَالِ تَعْرِيضَ النَّفْسِ فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ إلَّا عَلَى، وَجْهِ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاعَزَازِ الدِّينِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هَهُنَا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ أَهْلِ الشِّرْكِ غَالِبَةٌ فِيهِمْ فَلَا يَسْتَطِيعُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَحْكُمُوا بِأَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ قِتَالُهُمْ فِي الصُّورَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>