غَيْرَهُ لِيَشْتَرِيَهَا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ، وَإِذَا فَعَلَ لَا يَنْفُذُ شِرَاؤُهُ عَلَى الْآمِرِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا أَمْرَ الْمُوَكِّلِ فِي هَذَا الْعَقْدِ عَلَيْهِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ الْأَوَّلُ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِيهَا بِرَأْيِكَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ شِرَاءُ الْوَكِيلِ الْآخَرِ لِلْآمِرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَ الْآمِرِ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ فَإِنَّهُ مَتَى فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِ الْوَكِيلِ عَلَى الْعُمُومِ يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِهِ، وَيَكُونُ فِعْلُ الْوَكِيلِ الثَّانِي كَفِعْلِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ إذَا اشْتَرَاهَا بِالنَّقْدِ.
وَلَوْ كَانَ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا لِنَفْسِهِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ: أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْمُوَكِّلِ تَفْوِيضَ الْآمِرِ إلَى رَأْيِهِ فِي بَيْعِهَا عَلَى الْعُمُومِ وَيَقُولُ لَهُ: مَا صَنَعْت فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَكَّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا آخَرَ يَبِيعُهَا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَكِيلِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ لَيْسَ الْوَكِيلَ الْأَوَّلَ وَلَكِنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِ الْجَارِيَةِ فَقَدْ قَالَ لَهُ صَاحِبُهَا: مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صَنِيعِهِ فَيَصِيرُ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ بِبَيْعِهَا فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ إيَّاهَا مِنْ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الْجَارِيَةِ أَنْ يُفَوِّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ فَالسَّبِيلُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ ثُمَّ يَسْتَقِيلَهُ الْعَقْدَ فَتَنْفُذَ الْإِقَالَةُ عَلَى الْوَكِيلِ خَاصَّةً أَوْ يَطْلُبَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يُوَلِّيَهُ الْعَقْدَ فِيهَا أَوْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ ابْتِدَاءً وَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَا يَدَعَ الِاسْتِقْصَاءَ فِي ثَمَنِهَا فِي الْبَيْعِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ ائْتَمَنَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ فِي أَنْ لَا يَدَعَ الِاسْتِقْصَاءَ فِي ثَمَنِهَا.
فَلَوْ اشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ لِلْآمِرِ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَقَبَضَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الْآمِرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهَا بِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ وَالْوَكِيلُ بِالْعَقْدِ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي انْفَسَخَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَصْلِ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَقَدْ بَقِيَ هُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَاشْتَرَاهَا، وَهُوَ عَالِمٌ بِعَيْبِهَا لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ إلَّا لِلْآمِرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى وَكَالَتِهِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ إلَّا أَنَّهُ عَالِمٌ بِعَيْبِهَا، وَهُوَ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ عَلِمَ بِعَيْبِهَا، وَاشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ كَانَ الشِّرَاءُ لِلْآمِرِ فَكَذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ.
وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَكُونُ خَصْمًا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ ذَلِكَ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ لِيَبِيعَهُ بِحَضْرَتِهِ فَيَنْفُذَ ذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ عِنْدَنَا، وَخُصُومَةُ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَا تَكُونُ مَعَ الْوَكِيلِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ مَعَ عَاقِدِهِ، فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي إلَّا بِأَنْ يَضْمَنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute