فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْوَقْتُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ وَكَانَ الْقَبْضُ أَوْلَى.
فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَهُ فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلُ سَبْقِ عَقْدِهِ وَلِأَنَّ قَبْضَهُ مُعَايَنٌ وَقَبْضُ الْآخَرِ ثَابِتٌ حُكْمًا فَكَانَ الْمُعَايَنُ أَوْلَى وَحَمْلُ فِعْلِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْحِلِّ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ أَوَّلٌ أَوْ وَقَّتُوا وَقْتًا يُعْرَفُ أَنَّهُ أَوَّلٌ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْعِتْقُ أَوْلَى؛ لِانْعِدَامِ مُزَاحَمَةِ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ بَيِّنَةَ الشِّرَاءِ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ قَبَضَهُ فَهُوَ أَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ قَبْضَهُ دَلِيلُ تَقَدُّمِ عَقْدِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ أَوَّلٌ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مَعَ الْعِتْقِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْرِيعِ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ مَعَ الْقَبْضِ مُوجِبَةٌ لِلْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ أَوْ الْأَمَةُ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ ذَا الْيَدِ وَهَبَهَا لَهُ وَقَبَضَهَا مِنْهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي بِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا لِذِي الْيَدِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِتَهَاتُرِ الْبَيِّنَتَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِالْقَبْضِ فَانْقَضَى وَقَبْضُ الْخَارِجِ دَلِيلُ سَبْقِ عَقْدِهِ وَقِيَامُ قَبْضِ ذِي الْيَدِ دَلِيلٌ بِآخِرِ عَقْدِهِ.
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى الْأَمَةَ مِنْ ذِي الْيَدِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنَّهُ أَعْتَقَهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ يَتَأَكَّدُ بِالْعِتْقِ حَتَّى لَا يَحْتَمِلَ النَّقْضَ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ قَبْضٌ مِنْهُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِيرُ قَابِضًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَحَدَ الْمُشْتَرِيَيْنِ إذَا أَثْبَتَ الْقَبْضَ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ هِبَةً مَقْبُوضَةً وَادَّعَى الْآخَرُ صَدَقَةً مَقْبُوضَةً وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ وَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَلَمْ تُوَقِّتْ الْأُخْرَى قَضَيْتُ بِهَا لِصَاحِبِ الْوَقْتِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ سَبَبَ مِلْكٍ حَادِثٍ فَإِنَّمَا يُحَالُ بِحُدُوثِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا سَابِقًا بِالتَّوْقِيتِ فَيُقْضَى بِهَا لَهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ مَنْ لَمْ يُوَقِّتْ شُهُودُهُ قَضَيْتُ بِهَا لَهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ دَلِيلُ سَبْقِ عَقْدِهِ وَهُوَ دَلِيلٌ مُعَايَنٌ وَالْوَقْتُ فِي حَقِّ الْآخَرِ مُخْبِرٌ بِهِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَوَّلٌ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هُوَ أَوْلَى لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَارِيخٌ وَلَا قَبْضٌ مُعَايَنٌ لِأَحَدِهِمَا فَفِيمَا لَا يُقْسَمُ يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّارِ وَنَحْوِهِ تَبْطُلُ الْبَيِّنَتَانِ جَمِيعًا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُرَجِّحُ إحْدَاهُمَا مِنْ قَبْضٍ أَوْ تَارِيخٍ؛ لِأَنَّا لَوْ عَمِلْنَا بِهَا قَضَيْنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ الْآخَرِ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِي مُشَاعٍ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَجُوزُ، قِيلَ: هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute