يَبْلُغَ بِهَا مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَثْبُتُ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ إلَّا أَنَّ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَتَحَقَّقُ فِي تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا قَالَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ: وَإِذَا أَكْرَهَتْ الْمَرْأَةُ الْوَلِيَّ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَزَوَّجَهَا ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ فَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ، وَأَبَى الْوَلِيُّ أَنْ يَرْضَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَهْرَ مِنْ خَالِصِ حَقِّهَا فَإِنَّهُ بَدَلُ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ وَالْإِبْرَاءَ إلَيْهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَتْ، وَتَصَرُّفُهَا فِيمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهَا صَحِيحٌ فَلَا يَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنَّهَا أَلْحَقَتْ الضَّرَرَ بِالْأَوْلِيَاءِ فَيَكُونُ لَهُمْ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَتَفَاخَرُونَ بِكَمَالِ مَهْرِهَا وَيُعَيَّرُونَ بِنُقْصَانِ مَهْرِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَهْرُ الْمُومِسَاتِ الزَّانِيَاتِ عَادَةً وَفِيهِ يَقُولُ الْقَائِلُ:
وَمَا عَلَيَّ أَنْ تَكُونَ جَارِيَهْ ... تَمْشُطُ رَأْسِي وَتَكُونُ فَالِيَهْ
حَتَّى مَا إذَا بَلَغَتْ ثَمَانِيَهْ ... زَوَّجْتُهَا مَرْوَانَ أَوْ مُعَاوِيَهْ
أَخْتَانُ صِدْقٍ وَمُهُورٌ غَالِيَهْ
، وَمَعَ لُحُوقِ الْعَارِ بِالْأَوْلِيَاءِ فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِنِسَاءِ الْعَشِيرَةِ أَيْضًا فَإِنَّ مَنْ تُزَوَّجُ مِنْهُنَّ بَعْدَ هَذَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَإِنَّمَا يُقَدَّرُ مَهْرُهَا بِمَهْرِ هَذِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيْهِنَّ، وَإِنَّمَا يَذُبُّ عَنْ نِسَاءِ الْعَشِيرَةِ رِجَالُهَا فَكَانَ لَهُمْ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ فَأَمَّا بَعْدَ تَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ كَامِلًا صَارَ حَقُّ الْعَشِيرَةِ مُسْتَوْفًى، وَبَقَاءُ الْمَهْرِ يَخْلُصُ لَهَا فَإِنْ شَاءَتْ اسْتَوْفَتْ وَإِنْ شَاءَتْ أَبْرَأَتْ، وَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ الشَّرْعِ فِي تَسْمِيَةِ أَصْلِ الْمَهْرِ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِنْ كَانَ الْبَقَاءُ يَخْلُصُ لَهَا
وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا كَانَ لَهَا نِصْفُ مَا سَمَّى لَهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ مُسْقِطٌ لِلصَّدَاقِ قِيَاسًا فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَعُودُ إلَيْهَا كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهَا، وَذَلِكَ سَبَبٌ لِسُقُوطِ الْبَدَلِ إلَّا أَنَّا أَوْجَبْنَا لَهَا نِصْفَ الْمُسَمَّى بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] فَلَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ أَصْلَ النِّكَاحِ بِهَذَا التَّفْرِيقِ فَلَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ
وَإِنْ وَلَّتْ الْمَرْأَةُ أَمْرَهَا رَجُلًا فَزَوَّجَهَا كُفُؤًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا زَادَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلِيٌّ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ، وَهَذَا شَيْءٌ رَوَاهُ أَبُو رَجَاءِ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ مُحَمَّدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute