للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨].

وَإِذَا قَعَدَ الرَّجُلُ فِي مَسْجِدٍ لِحَدِيثٍ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ أَوْ مَرَّ فِيهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ كَمَا يَضْمَنُ فِي الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُصَلِّيًا فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ لَمْ يَضْمَنْ مَا يَعْطَبُ بِهِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ جَالِسًا فِيهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ الْجَالِسِ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ قُرْبَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالْمُعْتَكِفُ يَتَحَدَّثُ وَيَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْجُلُوسُ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا» «وَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ» وَكَذَلِكَ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَتَعَلُّمِهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُبَاحًا مُطْلَقًا وَالْمُبَاحُ الْمُطْلَقُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْحُرِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْمَسْجِدُ مُعَدٌّ لِلصَّلَاةِ وَالْقُعُودُ وَالنَّوْمُ فِيهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالطَّرِيقِ فَإِنَّهُ مُعَدٌّ لِلْمَشْيِ فِيهِ فَالْجُلُوسُ أَوْ النَّوْمُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ إذَا احْتَاجَ مَنْ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَى إزْعَاجِهِ لِيُصَلِّيَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ شَرْعًا وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْمُصَلِّي أَنْ يُزْعِجَ الْمُصَلِّيَ عَنْ مَكَانِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مُعَدٌّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَشَغْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا أَقْوَى مِنْ الرَّمْيِ إلَى الْكَافِرِ أَوْ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا أَصَابَ مُسْلِمًا كَانَ ضَامِنًا لَهُ.

وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا مَشَى فِي الْمَسْجِدِ فَأَوْطَأَ إنْسَانًا أَوْ نَامَ فِيهِ فَانْقَلَبَ عَلَى إنْسَانٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِإِتْلَافِهِ وَبِمِثْلِ هَذَا السَّبَبِ يَضْمَنُ فِي مِلْكِهِ فَفِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى.

وَإِذَا احْتَفَرَ الرَّجُلُ فِي سُوقِ الْعَامَّةِ بِئْرًا أَوْ بَنَى فِيهَا دُكَّانًا بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَطِبَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ فَأُلْحِقَ بِالطَّرِيقِ الْعَامَّةُ وَمَا يَكُونُ حَقًّا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَالتَّدْبِيرُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَإِذَا أَحْدَثَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَإِذَا فَعَلَهُ بِأَمْرِ السُّلْطَانَ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي هَذَا التَّسَبُّبِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِمِلْكِهِ.

وَإِذَا أَوْقَفَ دَابَّةً فِي السُّوقِ فَمَا أَصَابَتْ دَابَّتُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَلِأَنَّهُ مُتَعَدِّيًا بِإِيقَافِهَا فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَارَّةِ وَالْمُرُورِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ مَوْقِفًا تَقِفُ فِيهِ الدَّوَابُّ لِلْبَيْعِ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ فَأَوْقَفَ فِيهِ الدَّابَّةَ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا فِيمَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ أَذِنَ فِيهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ يَصِيرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مُعَدًّا لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ فِيهِ فَيَكُونُ إيقَافُهَا فِيهِ بِمَنْزِلَةِ إيقَافِهَا فِي مِلْكِهِ فَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>