للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَكْرَهُونَهُ، وَأَمَّا الرَّوَافِضُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَيُحَرِّمُونَ الْخِرِّيتَ، وَيَدَعُونَ قَوْلَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ دَعْوَاهُمْ مَحَبَّتَهُ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخِرِّيتَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَمْسُوخَاتِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْمَمْسُوخَ لَا نَسْلَ لَهُ، وَلَا يَبْقَى بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَلْ الْخِرِّيتُ نَوْعٌ مِنْ السَّمَكِ، وَالسَّمَكُ مَأْكُولٌ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ يَثْبُتُ الْحِلُّ فِيهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: ٩٦] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» فَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ النِّسَاءِ وَالْإِمَاءِ بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يَعْنِيهِ، فَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَعْنِي الْمَرْءَ مِمَّا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَأْثَمٌ.

(وَعَنْ) إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مَا أَطْيَبَ إهَابَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أَطْيَبَ الْأَشْيَاءِ مِنْ السَّمَكِ الذَّنَبُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَتَاهُ عَبْدٌ أَسْوَدُ فَقَالَ: إنَّنِي فِي غَنَمٍ لِأَهْلِي، وَإِنِّي سَلِيلُ الطَّرِيقِ فَأَسْقِي مِنْ لَبَنِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: إنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ فَأُصْمِيَ وَأُنْمِي قَالَ: كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: الْإِصْمَاءُ مَا رَأَيْتَهُ، وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْكَ، وَبِهِ نَأْخُذُ، إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إذَا تَوَارَى عَنْهُ، وَقَعَدَ فِي طَلَبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ لَا يَحْرُمُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهُ يَكُونُ عَفْوًا، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يَسْقِي مِنْ لَبَنِ الْغَنَمِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّاعِيَ أَمَرَ بِالرَّعْيِ وَالْحِفْظِ وَالسَّقْيُ وَمِنْ لَبَنِهَا بِمَنْزِلَةِ هِبَةٍ عَنْهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنِ أَهْلِهَا، وَاَلَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِرَاعِي الْغَنَمِ فَاسْتَسْقَاهُ اللَّبَنَ» تَأْوِيلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الرَّاعِيَ كَانَ يَرْعَى غَنَمَ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ مَالِكِهِ بِذَلِكَ، وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ».

(وَعَنْ) مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ «أَعْرَابِيًّا أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْنَبًا مَشْوِيًّا قَالَ: لِأَصْحَابِهِ كُلُوا قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: إنِّي رَأَيْتُ دَمًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: إذَنْ فَكُلْ فَقَالَ: إنِّي صَائِمٌ، قَالَ: صَوْمَ مَاذَا؟ قَالَ: صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَقَالَ: هَلَّا جَعَلْتهَا الْبِيضَ»، وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ: الْأَرْنَبُ مَأْكُولٌ، وَقَدْ قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدِيَّةَ فِيهِ وَأَكَلَ مِنْهُ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بِذَلِكَ (وَقَوْلُ) الْأَعْرَابِيِّ: إنِّي رَأَيْتُ دَمًا مُرَادُهُ مَا يَقُولُ جُهَّالُ الْعَرَبِ: أَنَّ الْأَرْنَبَةَ تَحِيضُ كَالنِّسَاءِ فَبَيَّنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>