للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْمُهْدِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ هَدِيَّتِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُ إلَى الْأَكْلِ، وَإِنَّمَا بُعِثَ لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، فَمَا كَانَ يَدْعُو أَحَدًا إلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا دُعِيَ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْتَنِعَ وَيَقُولَ: إنِّي صَائِمٌ، وَقَدْ قَرَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قَالَ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَوْمَ مَاذَا.؟ قَالَ: صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ» وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُثُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَيَقُولُ «الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ مِنْ الشَّهْرِ كَصَوْمِ جَمِيعِ الشَّهْرِ» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ فِي الْأَيَّامِ الْبِيضِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَلَّا جَعَلْتَهَا الْبِيضَ» وَالْبِيضُ الثَّالِثَ عَشْرَ، وَالرَّابِعَ عَشْرَ، وَالْخَامِسَ عَشْرَ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَوَّلُهَا الرَّابِعَ عَشْرَ، وَآخِرُهَا السَّادِسَ عَشْرَ، سُمِّيَتْ بِيضًا لِطُلُوعِ الْقَمَرِ فِي لَيَالِيِهَا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ، فَكَأَنَّ اللَّيْلَ يَسْتَوِي بِالنَّهَارِ فِي الْبَيَاضِ.

(وَقِيلَ:) لِمَا رُوِيَ أَنَّ آدَمَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - لَمَّا أُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ بَعْدَ زَلَّتِهِ اغْبَرَّ جَسَدُهُ صَامَ الرَّابِعَ عَشْرَ فَابْيَضَّ ثُلُثُ جَسَدِهِ ثُمَّ صَامَ الْخَامِسَ عَشْرَ فَابْيَضَّ ثُلُثٌ آخَرُ ثُمَّ صَامَ السَّادِسَ عَشْرَ فَابْيَضَّ جَمِيعُ جَسَدِهِ، وَعَادَ اللَّوْنُ الْأَوَّلُ فَسُمِّيَتْ بِيضًا لِذَلِكَ

«وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهُ أُهْدِيَ لَهَا ضَبٌّ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِهِ فَكَرِهَهُ فَجَاءَ سَائِلٌ فَأَرَادَتْ أَنْ تُطْعِمَهُ إيَّاهُ فَقَالَ: - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - أَتُطْعِمِينَ مَا لَا تَأْكُلِينَ» وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَنَقُولُ: لَا يَحِلُّ أَكْلُ الضَّبِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحِلُّ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الضَّبِّ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنْ طَعَامِ قَوْمِي فَأَجِدُ نَفْسِي تَعَافُهُ فَلَا أُحِلُّهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ» وَفِي «حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: أُكِلَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي الْآكِلِينَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَيَضْحَكُ» وَاعْتِمَادُنَا عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فِيهِ يُبَيِّنُ أَنَّ امْتِنَاعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِهِ لِحُرْمَتِهِ لَا لِأَنَّهُ كَانَ يَعَافُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ نَهَاهَا عَنْ التَّصَدُّقِ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَرَاهِيَةُ الْأَكْلِ لِلْحُرْمَةِ لَأَمَرَهَا بِالتَّصَدُّقِ بِهِ، كَمَا أَمَرَهَا بِهِ فِي شَاةِ الْأَنْصَارِيِّ بِقَوْلِهِ: «أَطْعِمُوهَا الْأَسَارَى» وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ، ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى تَعَارَضَ الدَّلِيلَانِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُ الْحَظْرَ وَالْآخَرُ يُوجِبُ الْإِبَاحَةَ يَغْلِبُ الْمُوجِبُ لِلْحَظْرِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: حُرْمَةُ الضَّبِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَمْسُوخَاتِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ فَرِيقَيْنِ مِنْ عُصَاةِ بَنِي إسْرَائِيلَ أَخَذَ

<<  <  ج: ص:  >  >>