للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا طَرِيقَ الْبَحْرِ، وَالْآخَرُ طَرِيقَ الْبَرِّ، فَمُسِخَ الَّذِينَ أَخَذُوا طَرِيقَ الْبَرِّ ضِبَابًا، وَقِرَدَةً، وَخَنَازِيرَ (وَرُوِيَ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ.

ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا نَسْلَ لَهُ وَلَا بَقَاءَ، فَهَذَا الَّذِي يُوجَدُ الْآنَ لَيْسَ بِمَمْسُوخٍ، وَإِنْ نَسَخَ قَوْمٌ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ الْخَبَائِثِ؛ وَلِهَذَا عَافَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] لِكَوْنِهِ مُسْتَخْبَثًا طَبْعًا كَسَائِرِ الْهَوَامِّ.

«وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: أَصَبْنَا يَوْمَ حُنَيْنٍ حُمُرًا أَهْلِيَّةً فَذَبَحْنَاهَا، وَإِنَّ الْقِدْرَ لَتَغْلِي بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكْفِئُوهَا بِمَا فِيهَا، وَنَهَى عَنْ أَكْلِهَا» فَقُلْنَا بَيْنَنَا: إنَّمَا حَرَّمَهَا؛ لِأَنَّهَا نُهْبَةٌ لَمْ تُخَمَّسْ فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: بَلْ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ: لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَكَانَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ يُبِيحُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ رَوَى أَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ فَتَلَتْ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ. .

(وَعَنْ) طَاوُسٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ فِهْرٍ: إنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ لَحْمَ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ حَرَامٌ قَالَ: كَانَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالْبَصْرَةِ فَأَتَى ذَلِكَ الْخَبَرُ يَعْنِيَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَفِي حَدِيثِ الْحُرِّ بْنِ غَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَمْ يَبْقَ لِي مِنْ مَالِي إلَّا حُمَيْرَاتٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ، فَإِنِّي إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ خَوَلِ الْقَرْيَةِ» وَاعْتَبَرُوا الْحِمَارَ الْأَهْلِيَّ بِالْوَحْشِيِّ، فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَكُلّ حَيَوَانٍ وَحْشِيُّهُ مَأْكُولٌ فَالْأَهْلِيُّ مِنْ جِنْسِهِ مَأْكُولٌ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَمَا لَا يَكُونُ أَهْلِيُّهُ مَأْكُولًا فَوَحْشِيُّهُ لَا يَكُونُ مَأْكُولًا كَالْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ فِيهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَا كَانَ حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ لِقِلَّةِ الظَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ بَعْدَ مَا صَارَ لَحْمًا لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةُ الظَّهْرِ، وَمَا حَرَّمَهَا لِأَنَّهَا نُهْبَةٌ لَمْ تُخَمَّسْ، فَإِنَّهُ كَانَ مَأْكُولًا فَلِلْغَانِمِينَ حَقُّ التَّنَاوُلِ مِنْهُ قَبْلَ الْخُمُسِ كَالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ، وَمَا حَرَّمَهَا لِأَنَّهَا حَوَلُ الْقِرْبَةِ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَوَّالِ مُتَنَاوِلِ الْجِيَفِ كَالْجَلَالَةِ، فَإِنَّهُ خَصَّ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ بِذَلِكَ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْحِمَارُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فَعُرْفُنَا أَنَّهُ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ.

(وَقَدْ) «رَوَى أَنَّهُ أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَادَى أَلَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ» وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، وَعَنْ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ»، وَلَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِإِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ فَقَالَ لَهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، وَعَنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ فَتُرَجَّحُ الْآثَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>