للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِسْلَامِ فَمَا دَامَ مُصِرًّا عَلَى كُفْرِهِ لَا يُخَلَّا عَنْ صَغَارٍ وَعُقُوبَةٍ وَذَلِكَ بِالْجِزْيَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى ذُلِّ الْكَافِرِ وَعِزِّ الْمُؤْمِنِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُسْلِمُونَ الْجِزْيَةَ مِنْهُ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ الَّتِي فَاتَتْ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ لِأَنَّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ الْقِيَامُ بِنُصْرَةِ الدَّارِ وَأَبْدَانُهُمْ لَا تَصْلُحُ لِهَذِهِ النُّصْرَةِ لِأَنَّهُمْ يَمِيلُونَ إلَى أَهْلِ الدَّارِ الْمُعَادِيَةِ فَيُشَوِّشُونَ عَلَيْنَا أَهْلَ الْحَرْبِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْمَالُ لِيُصْرَفَ إلَى الْغُزَاةِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الدَّارِ.

وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِأَصْلِ النُّصْرَةِ وَالْفَقِيرُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا كَأَنْ يَنْصُرَ الدَّارَ رَاجِلًا وَوَسَطُ الْحَالِ كَأَنْ يَنْصُرَ الدَّارَ رَاكِبًا وَالْفَائِقُ فِي الْغِنَى يَرْكَبُ وَيَرْكَبُ غُلَامًا فَمَا كَانَ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْحَالِ أَيْضًا وَالْأَصْلُ فِي مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَنَصْبُ الْمَقَادِيرَ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ اعْتَمَدَ السَّمَاعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذْنَا بِهِ وَقُلْنَا: الْمُعْتَمِلُ الَّذِي يَكْتَسِبُ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلُّ سَنَةٍ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَالْمُعْتَمِلُ الَّذِي لَهُ مَالٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي بِمَالِهِ عَنْ الْعَمَلِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ سَنَةٍ وَالْفَائِقُ فِي الْغِنَى وَهُوَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَمَلِ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْدِرَ فِي الْمَالِ بِتَقْدِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فَبِالْعِرَاقِ مَنْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ أَلْفًا يُعَدُّ وَسَطَ الْحَالِ وَفِي دِيَارِنَا مَنْ يَمْلِكُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ يُعَدُّ غَنِيًّا فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَانَ يَقُولُ: إنَّمَا يُؤْخَذُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِمَّنْ يَرْكَبُ الْبَغْلَةَ الشَّهْبَاءَ وَيَتَخَتَّمُ بِخَاتَمِ الذَّهَبِ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ بَدَلٌ عَنْ السُّكْنَى لِأَنَّهُ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ أَصْلًا وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ السُّكْنَى فِي دَارِ الْغَيْرِ إلَّا بِكِرَاءٍ فَالْفَقِيرُ يَكْفِيهِ لِمُؤْنَةِ السُّكْنَى فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ وَوَسَطُ الْحَالِ يَحْتَاجُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُضَعَّفُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْفَائِقُ فِي الْغِنَى وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ كَمَا بَيَّنَّا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَتَقَدَّرُ الْجِزْيَةُ بِدِينَارٍ وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ وُجُوبَ هَذَا الْمَالِ بِحَقْنِ الدَّمِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِفَقْرِهِ وَغِنَاهُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا» وَلَكِنَّا نَقُولُ: ثُبُوتُ الْحَقْنِ لَيْسَ بِالْمَالِ بَلْ بِانْعِدَامِ عِلَّةِ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ الْقِتَالُ وَلِصِحَّةِ إحْرَازِهِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ فِي دَارِنَا لِأَنَّهُ بِقَبُولِ عَقْدِ الذِّمَّةِ يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا حَتَّى لَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>