للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلِاسْتِحْقَاقِ، فَلَا يُسْتَحَقُّ بِهِ مِيرَاثُ غَيْرِهِ، وَيَنْدَفِعُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ وَرَثَتِهِ لِمَالِهِ بِهَذَا الظَّاهِرِ؛ وَلِهَذَا لَا تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ عِنْدَنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا بَدَأَ بِهِ الْكِتَابُ مِنْ قَوْلِهِ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: إنَّهَا امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَسْتَبِينَ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ، وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ إبْرَاهِيمُ كَمَا قَالَ: قَدْ سَمِعْنَا أَنَّ امْرَأَتَهُ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ، وَتَرَبُّصُ أَرْبَعِ سِنِينَ كَانَ يَقُولُ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَالِكٌ كَانَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوقَفُ عَلَى خَبَرِهِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ فِيمَا لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، خُصُوصًا إذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَقَدْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا لِكَيْ لَا تَبْقَى مُعَلَّقَةً.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعِنِّينِ وَامْرَأَتِهِ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَبَيْنَ الْمَوْلَى وَامْرَأَتِهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَلَكِنَّ عُذْرَ الْمَفْقُودِ أَظْهَرُ مِنْ عُذْرِ الْمَوْلَى وَالْعِنِّينِ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الْمُدَّتَانِ فِي التَّرَبُّصِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُجْعَلَ الشُّهُورُ سِنِينَ، فَلِهَذَا تَتَرَبَّصُ وَلَا نَأْخُذُ بِهَذَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ حَقُّهُ، وَهُوَ حَيٌّ فِي إبْقَاءِ مِلْكِهِ وَحَقِّهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَكَّنَّا زَوْجَتَهُ مِنْ أَنْ تَتَزَوَّجَ كَانَ فِيهِ حُكْمٌ بِالْمَوْتِ ضَرُورَةً، إذْ الْمَرْأَةُ لَا تَحِلُّ لِزَوْجَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجِب قِسْمَةٌ مَالِهِ أَيْضًا، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى مَوْتِهِ دَلِيلٌ مُوجِبٌ لَهُ. وَالتَّقْدِيرُ بِالْمُدَّةِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْعِنِّينِ لِدَفْعِ ظُلْمِ التَّعْلِيقِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الظُّلْمِ مِنْ الْمَفْقُودِ فَقُلْنَا: إنَّهَا امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَابْتَلَاهَا بِأَشَدَّ مِنْ هَذَا. فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ خَبَرُهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَقْرَانِهِ حَيًّا، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَطَرِيقُهُ فِي الشَّرْعِ الرُّجُوعُ إلَى أَمْثَالِهِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَمَهْرُ مِثْلِ النِّسَاءِ وَبَقَاؤُهُ بَعْدَ مَوْتِ جَمِيعِ أَقْرَانِهِ نَادِرٌ، وَبِنَاءُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ دُونَ النَّادِرِ.

وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إذَا تَمَّ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً مِنْ مَوْلِدِهِ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ أَهْلِ الطَّبَائِعِ وَالنُّجُومِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعِيشَ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ التَّحْسِينِ يَحْصُلُ لِلطِّبَاعِ الْأَرْبَعِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُضَادّ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ طَبْعَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَيَمُوتُ، وَلَكِنَّ خَطَأَهُمْ فِي هَذَا قَدْ تَبَيَّنَ لِلْمُسْلِمِينَ بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي طُولِ عُمْرِ بَعْضِ مَنْ كَانَ قَبْلنَا كَنُوحٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - وَغَيْرِهِ، فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إذَا مَضَى مِائَةُ سَنَةٍ مِنْ مَوْلِدِهِ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَحَدًا فِي زَمَانِنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>