الْحَوَالَةِ وَالْوَاجِبُ بِعَقْدِ الْحَوَالَةِ كَالْوَاجِبِ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ فِي صِحَّةِ اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْمُحِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَبِلَ الْحَوَالَةَ مُقَيَّدَةً بِذَلِكَ الْمَالِ فَصَارَتْ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الطَّالِبِ وَلَا يَبْقَى لِلْمُحِيلِ سَبِيلٌ عَلَى أَخْذِهَا لَوْ كَانَتْ عَيْنًا لَهُ فِي يَدِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا أَوْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حَقَّ الطَّالِبِ تَعَلَّقَ بِهَا وَذَلِكَ يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَى الْمُحِيلِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَوْ صَحَّ مِنْهُ هَذَا التَّصَرُّفُ بَطَلَ حَقُّ الطَّالِبِ قِبَلَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ الْحَوَالَةَ بِالْمَالِ مُطْلَقَةً، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهَا مُقَيَّدَةً بِذَلِكَ الْمَالِ فَإِذَا سَقَطَتْ عَنْهُ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ؛ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مُطَالَبَةٌ بِشَيْءٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْحَوَالَةَ لَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِوَدِيعَةٍ فِي يَدِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَهَلَكَتْ تِلْكَ الْوَدِيعَةُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ فَإِنْ مَاتَ الْمُحِيلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَمَا كَانَ قَبَضَ الْمُحْتَالُ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لَهُ، وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطَّالِبُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْهُونِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ
وَلَوْ أَحَالَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ إنْ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ تَرَكَ الْأَجَلَ وَجَعَلَهَا حَالَّةً؛ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُ فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الْأَصِيلُ الْأَجَلَ قَبْلَ الْحَوَالَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى الْأَصِيلِ الْمُحِيلِ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْأَجَلِ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ الْمُحِيلِ وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الْمُحِيلُ قَضَى الْمَالَ مِنْ عِنْدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا بِتَطَوُّعٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ دَيْنِهِ بَقِيَ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يُطَالِبُهُ بِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِحَقِّ الطَّالِبِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الشَّغْلُ بِأَنْ قَضَاهُ الْمَالَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ هَذَا تَطَوُّعًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ تَخْلِيصَ ذِمَّتِهِ عَنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَاهُ عَنْهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا قَصَدَ هَذَا الْمُؤَدِّي تَخْلِيصَ شَيْءٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُعِيرَ لِلرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَاهُ غَيْرُهُ وَإِذَا كَانَ الْمُؤَدِّي مُتَطَوِّعًا؛ كَانَ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ، لَا سُقُوطَ دَيْنِ الطَّالِبِ عَنْهُ بِإِبْرَاءِ الْمُتَطَوِّعِ كَسُقُوطِهِ بِأَدَاءِ نَفْسِهِ.
وَلَوْ أَحَالَ رَجُلٌ بِمَالٍ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ عَلَى رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ إبْرَاءُ الْأَصِيلِ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكَانِ الْإِبْرَاءَ فِي دَيْنِ الصَّغِيرِ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ. وَقَبُولُ الْحَوَالَةِ إبْرَاءٌ لِلْأَصِيلِ وَلَيْسَ بِاسْتِيفَاءٍ.
فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالْعَقْدِ إذَا أَحَالَ رَجُلٌ بِمَالِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ إنْ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَحَالَهُ عَلَى آخَرَ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute