فَفَعَلَ أَوْ قَالَ: احْتَالَ عَلَيْك فُلَانٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَشْهَدَ لَهُ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: احْتَالَ عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ؛ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ لِمُبَاشَرَتِهِ سَبَبَ الِالْتِزَامِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ. وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ أَمْرِهِ إيَّاهُ بِالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وُجُوبُ أَصْلِ الْمَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَالْحَوَالَةَ مِنْ الْمُبَاشِرِ كَمَا تَجُوزُ بِالْمَالِ الَّذِي عَلَى الْآمِرِ لِفُلَانٍ؛ تَجُوزُ بِالْمَالِ الَّذِي عَلَى غَيْرِهِ لِفُلَانٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ رَسُولَ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ إلَيْهِ أَوْ فُضُولِيًّا أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ الْمَالُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ صَبِيًّا، وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا تَاجِرًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ بِالْكَفَالَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ عَلَى الْآمِرِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُرْتَدًّا فَإِنْ أَسْلَمَ فَضَمَانُهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ؛ فَضَمَانُهُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَإِنْ لَحِقَ بِالدَّارِ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ فَنَقُولُ: إنْ رَجَعَ مُسْتَأْمَنًا أَخَذْنَاهُ بِالضَّمَانِ هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالصَّحِيحُ: فَإِنْ رَجَعَ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُعْطَى الْأَمَانَ، وَإِذَا خَرَجَ مُسْتَأْمَنًا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، وَكَانَ الضَّمَانُ بَاطِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: اضْمَنْ لِفُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ الَّتِي لَهُ عَلَيَّ. أَوْ قَالَ: أَحَلْت لِفُلَانٍ عَلَيْك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَهُ عَلَيَّ أَوْ قَالَ: اضْمَنْ لِفُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهَا لَك عَلَيَّ. أَوْ قَالَ: عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهَا أَوْ قَالَ: عَلَى أَنِّي كَفِيلٌ بِهِ أَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ أُؤَدِّيَهَا إلَيْك أَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ أُؤَدِّيَهَا عَنْهُ فَضَمِنَ لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْكَفِيلُ عَلَى الْآمِرِ إذَا أَدَّاهُ؛ لِأَنَّ فِي كَلَامِ الْآمِرِ تَصْرِيحًا بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ لِلطَّالِبِ؛ فَيَكُونُ هَذَا أَمْرًا مِنْهُ لِلْمَأْمُورِ فِي ذِمَّتِهِ مِمَّا يُؤَدِّيهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ الْتِزَامًا لَهُ ضَمَانَ مَا يُؤَدِّيهِ إلَى الطَّالِبِ، وَذَلِكَ يُثْبِتُ حَقَّ الرُّجُوعِ لَهُ عَلَيْهِ إذَا أَدَّى وَإِذَا أَمَرَ رَجُلٌ خَلِيطًا لَهُ أَنْ يَضْمَنَ لِفُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَمِنَهَا لَهُ، وَالْآمِرُ مُقِرٌّ بِأَنَّ الْأَلْفَ عَلَيْهِ فَأَدَّى الْكَفِيلُ الْمَالَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ بَيْنَهُمَا تَقُومُ مَقَامَ تَصْرِيحِهِ بِالْأَمْرِ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ فَإِنَّ الْخُلْطَةَ بَيْنَهُمَا مَقْصُودَةٌ لِهَذَا، وَهُوَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ فَنُزِّلَ ذَلِكَ مِنْهُ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ: اضْمَنْ لِفُلَانٍ عَنِّي وَالْخَلِيطُ عِنْدَنَا هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ وَيُدَايِنُهُ وَيَضَعُ الْمَالَ عِنْدَهُ وَكُلُّ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيطِ، نَحْوُ ابْنِهِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ مَالَهُ فِي يَدِهِ وَلِهَذَا لَوْ وَضَعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا، وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرَ الِابْنُ أَبَاهُ وَالِابْنُ كَبِيرٌ فِي عِيَالِ أَبِيهِ أَوْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْفَظُ مَالَهُ بِيَدِ صَاحِبِهِ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْطَةِ بَيْنَهُمَا.
وَإِذَا أَحَالَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِلْمُحِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute