للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَحِقِّ.

وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قُتِلَ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا شَرِكَةَ لِلْغَيْرِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَالْمَالِ إذْ لَا فَضْلَ فِي الْمَالِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَقَدْ خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ الْوَاجِبَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَقَدْ صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ بِحَالٍ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّصَرُّفُ بَيْعًا وَلَا شِرَاءً؛ فَلِهَذَا يَخْرُجُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ، فَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ اسْتَوْفَى رَبُّ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ رَأْسَ مَالِهِ، وَمَا بَقِيَ بِمَنْزِلَةِ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ الْوَاجِبَ كَانَ مِثْلًا لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ الْقَوَدُ بِالصُّلْحِ مَالًا، وَالْمَالُ عِوَضٌ عَنْ ذَلِكَ الْقَوَدِ، وَحُكْمُ الْعِوَضِ حُكْمُ الْمُعَوَّضِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يَظْهَرُ حَقُّ الْمُضَارِبِ فِي الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالرِّبْحُ لَا يَظْهَرُ مَا لَمْ يَصِلْ رَأْسُ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ.

فَأَمَّا هُنَا الْعِوَضُ مَالٌ فَيَظْهَرُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فِيهِ إذَا وَصَلَ رَبَّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُوصِي لَهُ بِالثُّلُثِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقِصَاصِ، فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ؛ ثَبَتَ فِيهِ حَقُّ الْمُوصِي لَهُ.

وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَى طَلَبِهِ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ هُنَا لِلشَّرِكَةِ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُضَارِبِ فِي الْعَبْدِ حِينَ قُتِلَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا رَأْسَ مَالِهِ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُضَارِبُ شَيْئًا لِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ؛ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ أَصْلًا. وَمَتَى تَعَذَّرَ إيجَابُ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ الْمَحْضِ يَجِبُ بَدَلُ الْمَقْتُولِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَبَدَلُ الْمَقْتُولِ قِيمَتُهُ هُنَا فَيَأْخُذُ الْمُضَارِبُ قِيمَةَ الْعَبْدِ مِنْ الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا، وَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُهُ لِكَوْنِهِ عَمْدًا كَالْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا ثُمَّ هَذِهِ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ يَشْتَرِي بِهَا، وَيَبِيعُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ غَصَبَ الْعَبْدَ غَاصِبٌ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ.

وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ أَقَلَّ فَقَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا عَمْدًا فَادَّعَى ذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى الْعَبْدِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ، وَالْمُضَارِبُ حَاضِرٌ وَرَبُّ الْمَالِ غَائِبٌ لَمْ يُقْضَ عَلَى الْعَبْدِ بِالْقِصَاصِ حَتَّى يَحْضُرَ رَبُّ الْمَالِ وَكَذَلِكَ إنْ حَضَرَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبُ غَائِبٌ مَا لَمْ يُقْضَ بِالْقِصَاصِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُضَارِبُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْيَدَ لِلْمُضَارِبِ وَهِيَ يَدٌ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِاعْتِبَارِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَنَزَلَ هُوَ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>