وَاشْتِرَاطُ حُضُورِ الْمَالِكِ فِي الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْعَبْدِ بِالْقَوَدِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ دَمِهِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ، وَعِنْدَهُمَا لِلْمَوْلَى حَقُّ الطَّعْنِ فِي الشُّهُودِ، فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُ ذَلِكَ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ حَالَ غَيْبَتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْآبِقِ، فَحَالُ غَيْبَةِ الْمُضَارِبِ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ حَضَرَا أَوْ لَمْ يَحْضُرَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُمَا حَقُّ الطَّعْنِ فِي إقْرَارِهِ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِذَلِكَ وَهُمَا حَاضِرَانِ يُكَذِّبَانِهِ فِيهِ، وَلِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا فَإِنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْآخَرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ دَمُهُ، وَهُوَ خَالِصُ حَقِّهِ، وَبَعْدَ عَفْوِ أَحَدِ الْوَلِيَّيْنِ الْمُسْتَحَقُّ لِلْآخَرِ هُوَ الْمَالُ، وَإِقْرَارُهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ عَلَى مَوْلَاهُ بَاطِلٌ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ صَدَّقَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَالْمُضَارِبُ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَبِاعْتِبَارٍ لَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى الْمَرْهُونِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْعَبْدِ فَضْلٌ فَقِيلَ لَهُ ادْفَعْ نِصْفَ حِصَّتِك إلَى الْوَلِيِّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ أَوْ افْدِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَ حِصَّتَهُ مِنْ الْفَضْلِ.
وَلَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ خُوطِبَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ، فَكَذَلِكَ بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ بَعْدَ عَفْوِ أَحَدِ الْوَلِيَّيْنِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَإِذَا احْتَالَ أَحَدُهُمَا بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ الدَّفْعَ فَقَدْ صَارَ مُمَلِّكُهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِمَا أَدَّى مِنْ الْفِدَاءِ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ فِيهِ، وَإِذَا بَطَلَ حُكْمُ الْمُضَارِبِ فِي بَعْضِ رَأْسِ الْمَالِ؛ بَطَلَ فِي كُلِّهِ فَيَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ قَدْرَ رَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَيَأْخُذُ الْمُضَارِبُ نِصْفَ حِصَّتِهِ الَّذِي بَقِيَ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي دَفْعِهِ إلَّا إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ لِلْغَيْرِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَكَانَ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِلْمُضَارَبَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ أَنْكَرَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ، وَأَقَرَّ بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ قِيلَ لِرَبِّ الْمَالِ: ادْفَعْ نِصْفَهُ أَوْ افْدِهِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْمَالِ فَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ صَحِيحٌ، فَإِنْ دَفَعَهُ؛ كَانَ النِّصْفُ الْبَاقِي عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَرَأْسُ الْمَالِ فِيهِ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُضَارِبِ صَارَ هُوَ مُسْتَوْفِيًا نِصْفَهُ بِالدَّفْعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ طَرَحَ مِنْ الْأَلْفِ قَدْرَ قِيمَةِ مَا اسْتَهْلَكَ رَبُّ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ بِالدَّفْعِ، وَرَأْسُ مَالِهِ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ وَالْبَاقِي عَلَى الْمُضَارَبَةِ، يَتَمَكَّنُ الْمُضَارِبُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ.
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ فَيُقَالُ لَهُ: ادْفَعْ نِصْفَ حِصَّتِك أَوْ افْدِهِ وَيُسَلِّمُ لِرَبِّ الْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute