للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْتِهَابَ الْمَعْدُومِ وَطَمَعًا فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ جُزْءًا بِمَا أَخْرَجَهُ نَصِيبُ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَرْضٌ أَوْ بَذْرٌ أَوْ عَمَلٌ، وَالْعَاقِلُ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ بِكَلَامِهِ عَادَةً، فَلِذَلِكَ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَأَفْسَدْنَا الْمُزَارَعَةَ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِلزَّارِعِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَيَطِيبُ لَهُ نِصْفُ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ رَبَّى نِصْفَ الزَّرْعِ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ، وَلَا فَسَادَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ وَيَأْخُذُ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ مَا أَنْفَقَ فِيهِ وَغَرِمَ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ فَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الدَّافِعِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: ازْرَعْ نَصِيبِي مِنْ الْأَرْضِ بِبَذْرِي عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِي، وَهَذِهِ اسْتِعَانَةٌ صَحِيحَةٌ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهُ قَالَ: وَازْرَعْ نَصِيبَك مِنْ الْأَرْضِ بِبَذْرِي عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك، وَهَذَا أَيْضًا إقْرَاضٌ صَحِيحٌ لِلْبَذْرِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُظْهِرُ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جَعَلَ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الدَّافِعِ مَنْفَعَةَ إقْرَاضِ الْبَذْرِ إيَّاهُ، أَوْ تَمْلِيكَ الْبَذْرِ مِنْهُ هِبَةً فِي مِقْدَارِ مَا يَزْرَعُ بِهِ نَصِيبَ نَفْسِهِ، فَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ، وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِلدَّافِعِ؛ لِأَنَّ إقْرَاضَ شَيْءٍ مِنْ الْبَذْرِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُثْبِتُ التَّصْحِيحَ لِلْعَقْدِ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ فَلَا يَجْعَلُ مُقْرِضًا شَيْئًا مِنْ الْبَذْر مِنْهُ، فَلِهَذَا كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَلِلْعَامِلِ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَأَجْرُ حِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ حِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَمَنْفَعَةَ عَمَلِهِ سُلِّمَتْ لِلدَّافِعِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَيَطِيبُ لَهُ نِصْفُ الرِّيعِ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ وَيَأْخُذُ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ نِصْفَ الْبَذْرِ وَمَا غَرِمَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ وَنِصْفِ أَجْرِ مِثْلِ الْعَامِلِ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ

وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ عَلَى أَنَّ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ لَهُ وَلِلدَّافِعِ الثُّلُثُ جَازَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ كَلَامِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: ازْرَعْ نَصِيبَك بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك وَهِيَ مَشْهُورَةٌ صَحِيحَةٌ، وَازْرَعْ نَصِيبِي بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ مِنْهُ لِي وَالثُّلُثُ لَك وَهِيَ مُزَارَعَةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَسَادٌ فَكَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الدَّافِعِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: ازْرَعْ نَصِيبِي بِبَذْرِي عَلَى أَنَّ لَك ثُلُثَ الْخَارِجِ وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: وَازْرَعْ نَصِيبَك بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك، وَهَذَا إقْرَاضٌ لِلْبَذْرِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا يَظْهَرُ الْفَسَادُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ لَهُ بِالْعَمَلِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ ثُلُثَ الْخَارِجِ وَمَنْفَعَةَ إقْرَاضِ نَصِفْ الْبَذْرِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ شَرَطَ الثُّلُثَيْنِ لِلدَّافِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>