مَفْصُولًا. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ عَلَى هَذَا فَالرَّدَاءَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْجَيِّدُ أَفْضَلَ فِي الْمَالِيَّةِ لِزِيَادَةٍ الرَّغْبَةِ فِيهِ، وَلَكِنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَا تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِكُرِّ حِنْطَةٍ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ، ثُمَّ قَالَ هُوَ رَدِيءٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صُدِّقَ فِي ثَمَنِ الْبَيْعِ فَفِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ أَوْلَى. وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى بِطَعَامٍ، قَدْ أَصَابَهُ الْمَاءُ وَعَفَنَ، فَقَالَ هَذَا الَّذِي غَصَبْتُهُ أَوْ أُودِعْتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ مُوجِبٌ فِي التَّسْلِيمِ مِنْهُ دُونَ الْعَيْبِ، وَلَكِنَّهُ بِحَسَبِ مَا يُتَّفَقُ فَكَانَ بَيَانُهُ مُطْلَقًا لِلَفْظِهِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: غَصَبْتُهُ ثَوْبًا يَهُودِيًّا، ثُمَّ جَاءَ بِثَوْبٍ مُنْخَرِقٍ خَلَقٍ، فَقَالَ هُوَ هَذَا كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اسْتَوْدَعَنِي عَبْدًا، ثُمَّ جَاءَ بِعَبْدٍ مَعِيبٍ، فَقَالَ هُوَ هَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَتَى وَقَعَ فِي صِفَةِ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا. وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي عَيْنِهِ لِأَنَّ الْقَابِضَ يُنْكِرُ قَبْضَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ سِوَى مَا عَيَّنَهُ وَالْقَبْضُ عَلَى وَجْهِ الْعَيْبِ الْوَدِيعَةِ يَتَحَقَّقُ فِيمَا عَيَّنَهُ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ إقْرَارِهِ، وَإِذَا خَرَجَ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ إقْرَارِهِ كَانَ الْقَوْلُ فِي إنْكَارِ قَبْضِ مَا عَيَّنَهُ فِي قَوْلِهِ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ أَفْلُسٍ قَرْضٌ أَوْ ثَمَنُ بَيْعٍ، ثُمَّ قَالَ هِيَ مِنْ الْفُلُوسِ الْكَاسِدَةِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ فَدَعْوَاهُ الْجِيَادَ فِي الْفُلُوسِ كَدَعْوَى الزِّيَافَةِ فِي الدَّرَاهِمِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْقَرْضِ هُوَ مُصَدَّقٌ إذَا وَصَلَ كَمَا لَوْ ادَّعَى الزِّيَافَةَ فِي الدَّرَاهِمِ فَإِنَّ الْكَاسِدَةَ مِنْ جِنْسِ الْفُلُوسِ وَبِالْجِيَادِ نُقِلَ رَغَائِبُ النَّاسِ فِيهَا كَمَا نُقِلَ بِالزِّيَافَةِ فِي الدَّرَاهِمِ. فَأَمَّا فِي الْبَيْعِ كَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوَّلًا لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ وَصَلَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيَانٌ يُفْسِدُ الْبَيْعَ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِقْرَارُهُ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ يَكُونُ إقْرَارَ الصِّحَّةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْفَسَادِ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا كَمَا لَوْ ادَّعَى الْفَسَادَ لِجِيَادٍ أَوْ أَجَلٍ مَجْهُولٍ بِخِلَافِ الزِّيَافَةِ فِي الدَّرَاهِمِ فَلَيْسَ فِي هَذَا دَعْوَى فَسَادِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَدَّعِي فَسَادَ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ فُلُوسٌ وَبِأَوَّلِ كَلَامِهِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ رُجُوعًا وَبِهِ فَارَقَ الْقَرْضُ؛ لِأَنَّ بِدَعْوَى الْكَسَادِ هُنَاكَ لَا يَصِيرُ مُدَّعِيًا أَنَّهُ لَا فُلُوسَ عَلَيْهِ فَإِنَّ بِالْكَسَادِ لَا يَبْطُلُ الْقَرْضُ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَقَالَ يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ إذَا وَصَلَ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَبِيعِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْكَاسِدَةَ مِنْ الْفُلُوسِ مِنْ جِنْسِ الرَّائِجَةِ مِنْهَا وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ صِفَةُ الثَّمِينَةِ لِيَثْبُتَ الْكَسَادُ فَهُوَ وَدَعْوَاهُ الزِّيَافَةَ فِي الدَّرَاهِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute