الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لَا يَجِبُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ، فَإِنْ أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ وَأَوْجَبَ الْبَيْعَ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عِنْدَهُمَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا مَتَى أُسْقِطَ خِيَارُهُ، وَهَذَا إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ أَبَدًا، فَإِنْ كَانَ شَرْطُ الْخِيَارِ شَهْرًا فَعِنْدَهُمَا هَذَا الْبَيْعُ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَلِلشَّفِيعِ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْبُيُوعِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةً فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ مِنْ الْبَائِعِ فِي الثَّلَاثَةِ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ مِنْ الْخِيَارِ مَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ كَاسْمِهِ لَا يَثْبُتُ، إلَّا لِمَنْ شُرِطَ لَهُ، وَالشَّرْطُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا حَتَّى يُوجِبَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ وَبَقَاءُ حَقِّ الْبَائِعِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّ الشَّفِيعِ فَبَقَاءُ مِلْكِهِ أَوْلَى، فَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَلِلْبَائِعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ عِنْدَهُمَا فِي هَذَا الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَإِذَا أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهَذَا نَقْضٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ مِلْكَهُ وَجِوَارَهُ حِينَ أَخَذَ الْمَبِيعَةَ بِالشُّفْعَةِ بِاعْتِبَارِهِ فَإِقْدَامُ الْبَائِعِ عَلَى مَا يُقَرِّرُ مِلْكَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَكُونُ نَقْضًا لِلْبَيْعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ نَاقِضًا لَكَانَ إذَا أَجَازَ الْبَيْعَ فِيهَا مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ، وَالْمُنْفَصِلَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ لَهُ.
وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ هَذِهِ الدَّارِ كَانَ لَهُ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِهَا مَعَ خِيَارِهِ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَهُ، كَالْمَأْذُونِ، وَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ دَارِهِ وَكَانَ الْبَلْخِيُّ يَدَّعِي بِهَذَا الْفَصْلِ الْمُنَاقَضَةَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَيَقُولُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُمَلَّكُ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ خِيَارِهِ وَاسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ؛ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ، وَالْمُسْتَعِيرُ فَكَيْفَ تَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الشُّفْعَةُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَلَكِنَّ عُذْرَهُ مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ كَانَ هَذَا مِنْهُ إجَازَةٌ لِلْبَيْعِ بِوُجُودِ دَلِيلِ الرِّضَا لَتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْبَلْخِيّ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ مُعْتَبَرًا فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ لَمَا صَارَ مُخَيَّرًا لِلْبَيْعِ بِأَخْذِهَا بِالشُّفْعَةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَوْ لَمْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِذَلِكَ لَمَا كَانَ إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ انْعَدَمَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ لَهُ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ ذَلِكَ جَعَلْنَاهُ مُخَيَّرًا لِلْبَيْعِ، فَإِذَا جَاءَ الشَّفِيعُ وَأَخَذَ مِنْهُ الدَّارَ الْأُولَى بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الثَّانِيَةِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَلَّكُهَا الْآنَ، فَلَا يَصِيرُ بِهَا جَارًا لِلدَّارِ الْأُخْرَى مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا، وَالدَّارُ الثَّانِيَةُ سَالِمَةٌ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ أَخْذَ الشَّفِيعِ مِنْ يَدِهِ لَا يَنْفِي مِلْكَهُ مِنْ الْأَصْلِ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ عُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ، فَلَا يَتَبَيَّنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute