للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِذْنِ إفْصَاحًا كَقُرْبِ مَاءِ السِّقَايَةِ وَنَحْوِهَا وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ فَعَلَهُ صَاحِبُهُ بِأَمْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ صَاحِبِهِ هَدْيَهُ فَيَصْنَعَ بِهِ مَا شَاءَ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ هَدْيِهِ فَيَشْتَرِيَ بِهَا هَدْيًا آخَرَ وَيَذْبَحَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ تَصَدَّقَ بِالْقِيمَةِ.

وَإِنْ نَحَرَ هَدْيَهُ قَائِمًا أَوْ أَضْجَعَهُ فَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ حَسَنٌ. وَبَلَغَنَا أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَنْحَرُونَهَا قِيَامًا مَعْقُولَةَ الْأَيْدِي الْيُسْرَى، وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: ٣٦] مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْحَرَهَا قَائِمَةً؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجَنْبِ السُّقُوطُ مِنْ الْقِيَامِ. وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ خَمْسَ هَدَايَا أَوْ سِتًّا فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ» فَدَلَّ أَنَّهُ يَنْحَرُ قِيَامًا. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: نَحَرْتُ بِيَدَيَّ بَدَنَةً قَائِمَةً مَعْقُولَةً فَكِدْتُ أُهْلِكُ قَوْمًا مِنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّهَا نَفَرَتْ فَاعْتَقَدْتُ أَنْ لَا أَنْحَرَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بَارِكَةً مَعْقُولَةً أَوْ أَسْتَعِينَ بِمَنْ يَكُونُ أَقْوَى عَلَيْهِ مِنِّي

(قَالَ:): وَلَا أَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ نَحْوَ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ يَعْنِي ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الذَّبْحِ» وَيَكْفِي فِي هَذَا أَنْ يَنْوِيَهُ بِقَلْبِهِ أَوْ يَذْكُرَهُ قَبْلَ ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ ثُمَّ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَيَنْحَرُ

(قَالَ:): وَلَا يُذْبَحُ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قِيَامًا؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ أَنْ يَذْبَحَهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ أَيْسَرَ عَلَى الْمَذْبُوحِ، قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ» الْحَدِيثَ

(قَالَ): وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ هَدْيَهُ أَوْ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَادِعِ فَنَحَرَ نَيِّفًا وَسِتِّينَ بِنَفْسِهِ وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -»، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ بِنَفْسِهِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَهْتَدِ لِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْغَيْرِ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ.

(قَالَ:): وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَذْبَحَهُ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْقُرْبَةِ فَلَا يُسْتَعَانُ فِيهِ بِالْكَافِرِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّا لَا نَسْتَعِينُ فِي أَمْرِ دِينِنَا بِمَنْ لَيْسَ عَلَى دِينِنَا»

(قَالَ): وَإِنْ ذَبَحَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُجْزِيهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إنْ كَانَ هَدْيَ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ يَوْمُ النَّحْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي

وَإِنْ جَعَلَ ثَوْبَهُ هَدْيًا أَجْزَأَهُ أَنْ يُهْدِيَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِيمَا صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى صَرْفُ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ سَوَاءٌ كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ هَدْيًا أَجْزَأَهُ أَنْ يُهْدِيَ قِيمَتَهَا، وَفِي رِوَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>