فِي الِانْتِهَاءِ فَيُرِيدُ أَنْ يَتَدَارَكَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِخَفَاءِ أَمْرِ الْعُلُوقِ يُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ فِيهِ ثُمَّ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْوَلَاءِ الثَّابِتِ لَهُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ النَّسَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَشْتَرِي ابْنَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَجْتَمِعُ لَهُ وَلَاؤُهُ وَنَسَبُهُ.
وَلَوْ كَانَ عَبْدًا كَبِيرًا أَعْتَقَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ صَارَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ الْأَحْرَارِ فَالدَّعْوَى مِنْ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ لَا تَنْفُذُ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ فِي الْكِتَابِ أَسْتَحْسِنُ فِي الصَّغِيرِ كَمَا أَسْتَحْسِنُ فِي الْمُدَبَّرِ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا جَاءَا بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ.
قَالَ وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَبَاعَ الْمَوْلَى الْأُمَّ مَعَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَى نَسَبَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مَمْلُوكَهُ فِي حَالِ حَاجَتِهِ إلَى النَّسَبِ ثُمَّ يَثْبُتُ مِنْهُ نَسَبُ الَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ تَوْأَمٌ وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ، وَهُوَ عِنْدَ الْبَائِعِ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَدَعْوَاهُ دَعْوَى التَّحْرِيرِ وَالتَّوْأَمُ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي التَّحْرِيرِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ ادَّعَى الْوَلَدَ الَّذِي عِنْدَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ كَانَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَدَعْوَاهُ تُوجِبُ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ الَّذِي بَقِيَ عِنْدَهُ وَالتَّوْأَمَانِ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفْصَلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ نَقْصُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي لِضَرُورَةِ إثْبَاتِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لَهُ.
قَالَ وَإِذَا بَاعَ أَمَةً حَامِلًا فَخَافَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ حَمْلَهَا وَأَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْ عَبْدٍ لَهُ كَانَ زَوْجًا لَهَا وَلَيْسَ هَذَا بِتَعْلِيمٍ لِلْكَذِبِ وَلَا أَمْرٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا رُخْصَةَ فِي الْكَذِبِ وَلَكِنَّهُ بَيَانٌ لِحُكْمِ أَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بِذَلِكَ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّا بَقِيَّةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إنْ صَدَّقَهُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَصْدِيقٌ وَلَا تَكْذِيبٌ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ لِإِقْرَارِهِ حُكْمَيْنِ إخْرَاجُ نَفْسِهِ عَنْ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ وَاثِبَاتٌ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ مَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ فَأَمَّا مَا هُوَ مِنْ خَالِصِ حَقِّ الْمُقِرِّ فَإِنَّ إقْرَارَهُ فِيهِ لَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ خُصُوصًا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْإِقْرَارُ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ يَبْطُلُ مِنْ أَصْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَاسَا النَّسَبَ بِالْوَلَاءِ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute