بَاطِلٌ حَتَّى إذَا قَبَضَ الْعِوَضَ الْآخَرُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إنَّمَا تَصِيرُ، كَالْبَيْعِ بَعْدَ التَّقَابُضِ. وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ قَبْلَ تَقَرُّرِ سَبَبِ الْوُجُوبِ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ سَلَّمَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ.
وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِرَجُلَيْنِ دَارًا عَلَى عِوَضٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضُوا، فَذَلِكَ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، جَائِزٌ فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَهُوَ فِي الْهِبَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْخِلَافَ فِي الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ (فَكَذَلِكَ فِي) الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ.
وَلَوْ وَهَبَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ دَارًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَا مِنْهُ الْأَلْفَ مَقْسُومَةً بَيْنَهُمَا وَسَلَّمَا إلَيْهِ الدَّارَ جَازَ ذَلِكَ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِانْعِدَامِ الشُّيُوعِ فِي الدَّارِ، فَالْمِلْكُ فِيهَا وَاحِدٌ وَانْعِدَامُ الشُّيُوعِ فِي الْأَلْفِ حِينَ قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مَقْسُومًا، وَلَوْ كَانَتْ الْأَلْفُ غَيْرَ مَقْسُومَةٍ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّعْوِيضِ كَمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ، وَالْأَلْفُ مُحْتَمِلٌ لِلْقِسْمَةِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَشَفِيعُهُمَا وَاحِدٌ فَأَرَادَ أَخْذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَرْضَيْنِ، أَوْ قَرْيَةً وَأَرْضَهَا، أَوْ قَرْيَتَيْنِ وَأَرْضَيْهِمَا، وَهُوَ شَفِيعُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَرْضٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ بِأَرْضَيْنِ، أَوْ بِدَارٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ بِدُورٍ، فَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ كُلَّهُ، أَوْ يَدَعَ وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، وَالدُّورُ الْمُتَلَازِقَةُ وَغَيْرُ الْمُتَلَازِقَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ مِصْرَيْنِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَزُفَرُ يَقُولُ: يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ فِي أَخْذِ إحْدَاهُمَا ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْأُخْرَى، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَفْقَةً عَلَى حِدَةٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُشْتَرِي مَلَكَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَفِي أَخْذِ إحْدَاهُمَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَكَمَا لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي فِي حَقِّ الْبَائِعِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ بِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ فِي صَفْقَتَيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَشْتَرِي دَارَيْنِ وَرَغْبَتُهُ وَمَنْفَعَتُهُ فِي إحْدَاهُمَا، فَإِذَا أَخَذَ الشَّفِيعُ تِلْكَ دُونَ الْأُخْرَى تَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي بِاخْتِيَارِ الشَّفِيعِ، وَالشَّفِيعُ لَا يَمْلِكُ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُشْتَرِي فِيمَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُمَا جَمِيعًا، أَوْ يَدَعَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لَهُ فِي إحْدَاهُمَا وَلَوْ أَخَذَهَا وَحْدَهَا تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الْأُخْرَى حُكْمًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا يَأْخُذُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute