الْمُضَارِبُ بِالشُّفْعَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدُّورَ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً؛ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكَانَ الدَّارَيْنِ عَبْدَانِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُ الْمُضَارِبِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ فِي أَحَدَيْهِمَا رِبْحٌ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ مَعَ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهَا بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ.
وَإِذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ نِصْفَ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ وَاسْتَوْفَى الْبَعْضَ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ عِنْدَ تَرَاضِيهِمَا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَإِنْ اشْتَرَطَ بَيْتًا بِعَيْنِهِ لِنَفْسِهِ فَهَذَا بَاطِلٌ لِجَهَالَةِ حِصَّةِ الْبَيْتِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ الدَّارَ كُلَّهَا، أَوْ يَدَعُ؛ لِأَنَّهُ بِمَا صَنَعَ غَيْرُ مُسَلِّمٍ شُفْعَتَهُ، بَلْ هُوَ مُظْهِرٌ رَغْبَتَهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا، فَيَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ فِيهَا.
وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ، وَالْمَكَانِ، فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ قَوْلٌ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْمَكَانِ، وَالزَّمَانِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافًا بَيْنَهُمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ.
وَإِذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي مَنْزِلٍ، وَهُوَ شَرِيكٌ فِي الطَّرِيقِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَنْزِلِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ وَاسْتَوْفَى الْبَعْضَ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِتَرَاضِيهِمَا وَلِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الْآخَرَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْجَارِ كَانَ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ الْمَنْزِلِ، إلَّا أَنَّ الشَّرِيكَ فِي الطَّرِيقِ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ فَفِيمَا أَسْقَطَ الشَّرِيكُ حَقَّهُ زَالَ الْمَانِعُ فَلِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَهُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ فِي جَمِيعِ الْمَنْزِلِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ يُلْجِئُهُ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِي ذَلِكَ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ ابْتِدَاءً وَبِاعْتِبَارِهِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ مِنْ الْأَصْلِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، أَوْ الشَّرْطِ لَمْ يَتَجَدَّدْ بِهِ حَقُّ الشَّفِيعِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ، فَإِذَا أَقَرَّ بِفَسَادِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ أَوْلَى وَإِذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فِي هِبَةٍ بِعِوَضٍ بَعْدَ التَّقَابُضِ، ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّهَا كَانَتْ بَيْعًا بِذَلِكَ الْعِوَضِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَعْدَ التَّقَابُضِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ فَكَانَ التَّسْلِيمُ صَحِيحًا مِنْ الشَّفِيعِ سَوَاءٌ أَقَرَّ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ كَانَ هِبَةً بِعِوَضٍ، أَوْ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ أَنَّهُ كَانَ بَيْعًا، وَإِنْ سَلَّمَهَا فِي هِبَةٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهَا كَانَتْ بِشَرْطِ عِوَضٍ أَوْ كَانَتْ بَيْعًا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا بِسُقُوطِ حَقِّهِ وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الطَّلَبَ، أَوْ سَلَّمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لَمْ تَجِبْ لَهُ، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً لَهُ، فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ فِي الشُّفْعَةِ.
وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ دَارًا عَلَى عِوَضٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، ثُمَّ سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، فَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute