نَفَذَ عِتْقُهُ، ثُمَّ لَا يُحَطُّ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَحْصِيلَ بَعْضِ مَقْصُودِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ لَمْ يُحَطَّ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَكَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْكِتَابَةِ إذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمَوْلَى فَإِنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْعِتْقِ هُنَاكَ فَسْخٌ مِنْهُ لِلْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ كَانَ فَسْخًا لِلْعَقْدِ حَتَّى لَا يُعْتَقَ الْوَلَدُ مَعَهَا فَكَذَلِكَ إعْتَاقُهُ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ بِخِيَارِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهَا فَالْعَقْدُ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَكُنْ فَاسِخًا لِلْكِتَابَةِ حَتَّى يُعْتِقَ الْوَلَدَ مَعَهَا وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ وَلَدَهَا فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَالْخِيَارِ لِلْمَوْلَى فَلَهُ الْإِجَازَةُ، ثُمَّ الْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ اسْتِحْسَانًا.
وَفِي الْقِيَاسِ الْمُكَاتَبَةُ بَاطِلَةٌ وَبِالْقِيَاسِ يَأْخُذُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ أَوَانَ لُزُومِ الْعَقْدِ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ مَنْ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ عِنْدَ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا عَلَى الْوَلَدِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُودُ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ الْأَصْلُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْخَلَفِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهَا فَبَقَاؤُهُ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ كَبَقَائِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ نُفُوذِ الْعَقْدِ لَوْ مَاتَتْ جَعَلَ الْوَلَدَ قَائِمًا مَقَامَهَا فِي السِّعَايَةِ عَلَى النُّجُومِ فَكَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِالْإِجَازَةِ إذَا مَاتَتْ بِجَعْلِ الْوَلَدِ قَائِمًا مَقَامَهَا فِي تَنْفِيذِ الْعَقْدِ بِالْإِجَازَةِ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَّا ذَلِكَ لِحَاجَتِهَا وَلِحَاجَةِ وَلَدِهَا إلَى تَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهَا فَمَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يُورَثُ مِمَّنْ هُوَ حُرٌّ فَكَيْفَ يُورَثُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَلَكِنَّهَا لَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ وَعَجَزَتْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ سَقَطَ خِيَارُهَا، فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمَوْلَى فَاشْتَرَتْ وَبَاعَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، ثُمَّ رَدَّ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَةَ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِمَّا صَنَعَتْ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ بَطَلَتْ بِفَسْخِ الْمَوْلَى قَبْلَ تَمَامِهَا، وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ وَلُزُومِهَا فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مَأْذُونَةً فِي التِّجَارَةِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى رَآهَا فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهَا فَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَاسْتَدَانَ دَيْنًا، ثُمَّ رَدَّ الْبَائِعُ الْبَيْعَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَأَمَّا إذَا رَآهُ يَتَصَرَّفُ فَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ لَنَا عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ النَّهْيِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِتَصَرُّفِهِ يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا، وَدَلِيلُ الرِّضَا كَصَرِيحِ الرِّضَا وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ كَانَ إجَازَةً مِنْهُ لِلْكِتَابَةِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُكَاتَبِ كَانَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ رِضًا مِنْهُ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute