للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ كَلَيْلَةِ النَّحْرِ تُجْعَلُ تَبَعًا لِيَوْمِ عَرَفَةَ فِي حُكْمِ الْوُقُوفِ فَإِنْ لَمْ يَرْمِهَا حَتَّى يُصْبِحَ مِنْ الْغَدِ رَمَاهَا لِبَقَاءِ وَقْتِ جِنْسِ الرَّمْيِ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا بَيَّنَّا فِي تَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا جَعَلَ تَأْخِيرَ الرَّمْيِ عَنْ وَقْتِهِ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِهِ، وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ نُسُكٌ تَامٌّ فَكَمَا أَنَّ تَرْكَهُ يُوجِبُ الدَّمَ فَكَذَلِكَ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ، وَكَذَلِكَ إنَّ تَرْكَ الْأَكْثَرِ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْكُلِّ، وَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا إلَى الْغَدِ رَمَاهَا، وَتَصَدَّقَ لِكُلِّ حَصَاةٍ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ عَلَى مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ أَقَلُّ فَتَكْفِيهِ الصَّدَقَةُ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي تَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ إحْدَى الْجِمَارِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي نُسُكٌ وَاحِدٌ فَإِذَا تَرَكَ أَحَدَهَا كَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ فَتَكْفِيهِ الصَّدَقَةُ إلَّا أَنَّ الْمَتْرُوكَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَجُعِلَ تَرْكُ الْأَكْثَرِ كَتَرْكِ الْكُلِّ

(قَالَ) وَإِنْ تَرَكَ الرَّمْيَ كُلَّهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ رَمَاهَا عَلَى التَّأْلِيفِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ بَاقٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ مَا بَقِيَ وَقْتُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ إذَا أَخَّرَهَا إلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمَا فَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ سَقَطَ عَنْهُ الرَّمْيُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي الرَّمْيِ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَاهُ قُرْبَةً بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ إنَّمَا رَمَى فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يَكُونُ الرَّمْيُ قُرْبَةً بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِهَا كَمَا لَا يَكُونُ إرَاقَةُ الدَّمِ قُرْبَةً بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً كَانَ عَبَثًا فَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ كُلَّهُ نُسُكٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ وَاجِبٌ فَتَرْكُهُ يُوجِبُ الْجَبْرَ بِالدَّمِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا فِي تَرْكِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْبَعْضِ مُوجِبًا لِلدَّمِ ثُمَّ لَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْكُلِّ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا أَنَّ حَلْقَ رُبُعِ الرَّأْسِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ يُوجِبُ الدَّمَ ثُمَّ حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ لَا يُوجِبُ إلَّا دَمًا وَاحِدًا، وَقَصُّ أَظْفَارِ يَدٍ وَاحِدَةٍ يُوجِبُ الدَّمَ ثُمَّ قَصُّ الْأَظْفَارِ كُلِّهَا لَا يُوجِبُ إلَّا دَمًا وَاحِدًا

(قَالَ) وَإِنْ بَدَأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهَا ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِي الْمَسْجِدَ ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهِ قَالَ يُعِيدُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى، وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ شُرِعَ مُرَتَّبًا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَمَا سَبَقَ أَوْ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهِ فَكَانَ رَمْيُ الْجَمْرَةِ الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ الِافْتِتَاحِ لِلْجَمْرَةِ الْوُسْطَى، وَالْوُسْطَى بِمَنْزِلَةِ الِافْتِتَاحِ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَمَا أَدَّى قَبْلَ وُجُودِ مِفْتَاحِهِ لَا يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>