للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ مَا يَكُونُ طَرِيقُ الِانْتِفَاعِ بِهِ تَنَاوُلُ الْعَيْنِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ، وَمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ فَهُوَ نَظِيرُ عَيْنِ الْجِلْدِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.

قَالَ (وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَحْلُبَ الْأُضْحِيَّةَ إذَا كَانَ لَهَا لَبَنٌ فَيَنْتَفِعُ بِلَبَنِهَا كَمَا يُكْرَهُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِصُوفِهَا)؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَتَوَلَّدُ مِنْ عَيْنِهَا، وَقَدْ جَعَلَهَا لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَصْرِفُ شَيْئًا مِنْهَا إلَى مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، وَلَكِنَّهُ يَنْضَحُ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَتَقَلَّصَ مِنْهُ اللَّبَنُ، وَلَا يَتَأَدَّى بِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَنْفَعُ إذَا كَانَ يُقَرِّبُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ. فَأَمَّا إذَا كَانَ بِالْبُعْدِ فَلَا يُفِيدُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يَنْزِلُ ثَانِيًا وَثَالِثًا بَعْدَ مَا يَتَقَلَّصُ، وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْلُبَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِاللَّبَنِ كَالْهَدْيِ إذَا عَطِبَتْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمَنَاسِكِ.

قَالَ (وَإِنْ اشْتَرَى بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ اشْتَرَكَ مَعَهُ سِتَّةٌ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا)، وَفِي الْقِيَاس لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ وَالِاشْتِرَاكُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ مِنْهُ عَنْ بَعْضِ مَا تَقَرَّبَ بِهِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ شَرْعًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَوْ أَشْرَكَهُمْ مَعَهُ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَنْ اشْتَرَوْا جُمْلَةً جَازَ. فَكَذَلِكَ إذَا أَشْرَكَهُمْ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ إتْمَامِ الْمَقْصُودِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُبْتَلَى بِهَذَا فَإِنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً فَيَشْتَرِيهَا، ثُمَّ يَطْلُبُ شُرَكَاءَهُ فِيهَا فَلَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ. قَالَ (وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ كَانَ أَحْسَنَ)؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الِاخْتِلَافِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الْقُرْبَةِ لَا صُورَةً، وَلَا مَعْنًى فَكَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ.

قَالَ (وَلَا تَجُوزُ الْعَوْرَاءُ فِي الْأُضْحِيَّةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَشْرِفُوا الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ»، وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُضَحِّيَ بِأَرْبَعَةٍ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي»، ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْعَيْبَ الْفَاحِشَ مَانِعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {، وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧] وَالْيَسِيرُ مِنْ الْعَيْبِ غَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ قَلَّمَا يَنْجُو مِنْ الْعَيْبِ الْيَسِيرِ فَالْيَسِيرُ مَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي لَحْمِهَا وَلِلْعَوَرِ أَثَرٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرُ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعَلَفِ مَا يُبْصِرُ بِالْعَيْنَيْنِ، وَعِنْدَ قِلَّةِ الْعَلَفِ يَتَبَيَّنُ الْعَجَفُ، ثُمَّ الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ مَنْصُوصٌ عَلَى اعْتِبَارِهَا. فَإِذَا كَانَتْ مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ لَمْ تَجُزْ لِانْعِدَامِ شَرْطٍ مَنْصُوصٍ. وَإِذَا كَانَتْ مَقْطُوعَةَ الطَّرَفِ. فَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

قَالَ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ بَعْضَ ذَلِكَ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>