للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبَضْتَهُ مِنِّي فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ لِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِ الْمَالِ مِنْ يَدِ الْغَيْرِ، وَعَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَى مِنْ الْحَقِّ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ.

وَلَوْ قَالَ: أَسْكَنْتُ بَيْتِي فُلَانًا هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجْتُهُ مِنْهُ وَدَفَعَهُ إلَيَّ وَادَّعَى السَّاكِنُ أَنَّهُ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيْتِ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى السَّاكِنِ الْبَيِّنَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ السَّاكِنِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُهُ هُوَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِوُصُولِ الْبَيْتِ إلَى يَدِهِ كَانَ مِنْ جِهَةِ السَّاكِنِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ فِيهِ مِلْكًا قَدِيمًا، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ كَمَا فِي الْفَصْلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَا أَقَرَّ لِلسَّاكِنِ بِيَدٍ أَصْلِيَّةٍ فِي الْبَيْتِ إنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ بِنَاءً عَنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ السَّاكِنِ تُبْنَى عَلَى الْمَسْكَنِ وَالْحُكْمُ لِلْيَدِ الْأَصْلِيَّةِ لَا لِمَا هُوَ بِنَاءٌ فَلَمْ يَصِرْ مُقِرًّا بِمَا يُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ لَهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَقَرَّ بِيَدٍ أَصْلِيَّةٍ كَانَتْ لَهُ فِيمَا اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ أَقَرَّ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَهُوَ قَبْضُهُ الْمَالَ مِنْ فُلَانٍ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ بِيَدٍ أَصْلِيَّةٍ كَانَتْ لِفُلَانٍ فِي هَذَا الْمَالِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ فِي قَوْلِهِ كَانَتْ لِي عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ بِنَاءً بَعْدَ مَا أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ أَصْلِيَّةً فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْإِعَارَةَ بَيْنَ النَّاسِ مَعْرُوفَةٌ، وَفِي الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ هُنَا قَطْعُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ النَّاسِ لِأَنَّ الْمُعِيرَ يُتَحَرَّزُ عَنْ الْإِعَارَةِ لِلسُّكْنَى إذَا عَرَفَ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الِاسْتِرْدَادِ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ فِيهِ لِتَوْفِيرِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّابَّةُ أَعَرْتهَا فُلَانًا، ثُمَّ قَبَضْتهَا مِنْهُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لِي أَعَرْتُهُ فُلَانًا، ثُمَّ قَبَضْتُهُ مِنْهُ.

وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا الْخَيَّاطَ خَاطَ قَمِيصَهُ هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ مِنْهُ الْقَمِيصَ، وَقَالَ الْخَيَّاطُ هُوَ قَمِيصِي أَعَرْتُكَهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْأُولَى. وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ أُسْلِمَ إلَى الصَّبَّاغِ.

وَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ خَاطَ لِي الْخَيَّاطُ قَمِيصِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْتُهُ مِنْهُ فَفِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْخَيَّاطِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِيَدِ الْخَيَّاطِ هُنَا فِي الثَّوْبِ لِأَنَّهُ قَدْ يَخِيطُ الثَّوْبَ، وَهُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ بِأَنْ كَانَ أَجِيرًا وُجِدَ فِي بَيْتِهِ يَعْمَلُ لَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ هُنَاكَ قَدْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ مِنْهُ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ.

وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِلْمُقِرِّ أَوْ الدَّابَّةُ أَوْ الدَّارُ، فَقَالَ: أَعَرْتُهُ فُلَانًا وَقَبَضْتُهُ مِنْهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ مَعْرُوفٌ لِلْمُقِرِّ فَلَا يَكُونُ مُجَرَّدَ الْيَدِ فِيهِ لِغَيْرِهِ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا أَقَرَّ الْخَيَّاطُ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي فِي يَدِهِ لِفُلَانٍ أَسْلَمَهُ إلَيْهِ فُلَانٌ لِيَخِيطَهُ فَهُوَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي مِثْلَهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>