- رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخِلَافِيَّاتِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّ يَدَ الَّذِي أَسْلَمَهُ إلَيْهِ بِنَاءً لَا ابْتِدَاءً، وَلَكِنَّ مَشَايِخَنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالُوا هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِسْكَانِ أَوْ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُؤْتَمَنٌ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمَا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ ضَامِنٌ فَيَضْمَنُ الثَّوْبَ الَّذِي أَسْلَمَهُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَذَكَرَ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ: هَذَا الْمَالُ لِفُلَانٍ أَرْسَلَ بِهِ إلَيَّ مَعَ فُلَانٍ وَدِيعَةً أَنَّ الْمَالَ لِلْأَوَّلِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقِرِّ لِلرَّسُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِيَدٍ هِيَ بِنَاءٌ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَرْسَلَ بِهَا إلَيَّ مَعَ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ وَفِي الذِّمَّةِ سَعَةٌ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ لِلثَّانِي لِمَا أَقَرَّ أَنَّ وُصُولَهُ إلَى يَدِهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَفِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَوْرَدَ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ، قَالَ فِي أَحَدِهِمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلدَّافِعِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي الثَّانِي قَالَ: عَلَيْهِ مِثْلُهُ لِلدَّافِعِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا سَكَنَ هَذَا الْبَيْتَ فَادَّعَى فُلَانٌ الْبَيْتَ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِلسَّاكِنِ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى تُثْبِتُ الْيَدَ لِلسَّاكِنِ عَلَى الْمَسْكَنِ وَإِقْرَارُهُ بِالْيَدِ لِلْغَيْرِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ كَالْمُعَايَنِ فِي حَقِّهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا زَرَعَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ أَوْ الْبُسْتَانَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، فَقَالَ: كُلُّهُ لِي وَاسْتَعَنْتُ بِكَ فَفَعَلْتَ ذَلِكَ أَوْ فَعَلْتَهُ بِأَجْرٍ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ هُوَ مِلْكِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لِلْحَالِ ظَاهِرَةٌ، وَلَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ مِنْ قَبْلُ لِأَنَّ فِعْلَ الزِّرَاعَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا يُوجِبُ الْيَدَ لِلْفَاعِلِ فِي الْمَفْعُولِ، وَقَدْ يَفْعَلُهُ الْمُعِينُ وَالْأَجِيرُ وَالْمُعِينُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَهَذَا وَقَوْلُهُ خَاطَ لِي الْقَمِيصَ سَوَاءٌ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ الَّذِي بَيَّنَّا فِيمَا إذَا قَالَ لِمُعْتَقِهِ أَخَذْتُ مِنْكَ مَالًا قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ قَطَعْتُ يَدَكَ قَبْلَ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا أَعَادَهَا لِفُرُوعٍ، فَقَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ بَلْ فَعَلْتُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالتَّسْلِيمَ يَثْبُتُ الْحَقُّ فِيهِ لِلْمُتَمَلِّكِ كَمَا أَنَّ الْعِتْقَ يُثْبِتُ الْحَقَّ لِلْمُعْتَقِ فِي نَفْسِهِ وَأَطْرَافِهِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدًا.
وَلَوْ قَالَ: قَطَعْتُ يَدَهُ، ثُمَّ بِعْتُهُ أَوْ وَهَبْتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَطْعِ قَبْلَ ظُهُورِ بَيْعِهِ لِأَنَّ ظُهُورَ الْبَيْعِ بِإِقْرَارِهِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِالْقَطْعِ سَابِقًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute