إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هِبَتِهِ أَوْ بَيْعِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِهَذَا فَيَكُونُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ.
وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَةً، ثُمَّ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْكِ هَذَا الْوَلَدَ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَقَالَتْ بَلْ أَخَذْتَهُ مِنِّي بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْمَالِ الْقَائِمِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ يُصَدَّقُ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ فِي أَنَّهُ أَخَذَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَيْهَا وَالْقَوْلُ فِي حُرِّيَّتِهِ قَوْلُهَا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ أَخَذْتُهُ مِنْكِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: أَعْتَقْتُكِ بَعْدَ مَا وَلَدْتِيهِ، وَقَالَتْ بَلْ أَعْتَقْتَنِي قَبْلَ أَنْ أَلِدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِيَدٍ فِيهِ لَهَا مِنْ قَبْلِ وِلَادَتِهَا، وَلِأَنَّهَا تَدَّعِي سَبْقَ تَارِيخٍ فِي الْعِتْقِ حِينَ ادَّعَتْ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَالْعِتْقُ فِعْلٌ حَادِثٌ مِنْ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِهِ سَبْقَ التَّارِيخِ فِيهِ، وَلِأَنَّ عِتْقَهَا ظَهَرَ فِي الْحَالِ وَالْوَلَدُ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا وَعِتْقُهَا غَيْرُ مُوجِبٍ الْعِتْقَ لِلْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ يَدَهَا تُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ لَهَا فِي الْحَالِ، وَقَدْ أَقَرَّتْ بِالْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا فَأَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا، وَهُوَ عَبْدٌ، وَقَالَ الْعَبْدُ أَخَذْتَهَا مِنِّي بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ يَدَّعِي سَبْقَ تَارِيخٍ فِي قَبْضِهِ وَالتَّارِيخُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ، وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَالَ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَوْلَى فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَيَبْقَى الْمَالُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْكَسْبِ لِلْمُكَاتَبِ وَاعْتِبَارِ يَدِهِ فِيهِ لِحَقِّهِ كَالْعِتْقِ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَهُوَ عِنْدَ مَوْلَاهُ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ غَصَبْتَهُ، وَهُوَ عِنْدِي فَالْمَالُ لِلْآخَرِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِكَسْبِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِكَسْبِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَكَمَا لَا يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ هُنَاكَ، وَفِيمَا يَدَّعِي مِنْ سَبْقِ التَّارِيخِ فَكَذَلِكَ هُنَا.
وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ فَقَأَ عَيْنَ فُلَانٍ عَمْدًا، ثُمَّ ذَهَبَتْ عَيْنُ الْفَاقِئِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْمَفْقُوءُ عَيْنُهُ بَلْ فَقَأْتَ عَيْنِي وَعَيْنُكَ ذَاهِبَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَفْقُوءِ عَيْنُهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ قَائِمَةً وَقْتَ الْفَقْءِ فَالْوَاجِبُ قِصَاصٌ، وَهُوَ فِيهَا وَاجِبٌ بِاعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ذَاهِبَةً فَالْوَاجِبُ الْأَرْشُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ وَادَّعَى الْفَاقِئُ مَا يُسْقِطُهُ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا فِي الْفَقْءِ وَالتَّارِيخُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا أُعْتِقَ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّ هَذَا الرَّجُلِ خَطَأً، وَهُوَ عَبْدٌ، وَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَتَلْتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ فِي هَذَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَإِنَّ جِنَايَتَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute